وقرأت على أبي علي بإسناده عن أبي عبيدة «قال : سمعت أبا عمرو ابن العلاء يقول : لم يتسن (البقرة : ٢٥٩) (١) : لم يتغير ، هو من قوله تعالى : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (الحجر : ٢٦) أي : متغيّر. فقلت له : لم يتسن من ذوات الياء ، و (مَسْنُونٍ) من ذوات التضعيف ، فقال : هو مثل «تظنّيت» وهو من الظنّ».
وأصله على هذا القول «لم يتسنّن» ثم قلبت النون الآخرة ياء هربا من التضعيف ، فصار «يتسنّي» ثم أبدلت الياء ألفا ، فصار «يتسنّى» ثم حذفت الألف للجزم ، فصار لم يتسن.
وقالوا : «إنسان» و «أناسيّ» و «ظربان» و «ظرابيّ» ، فالياء الثانية بدل من نون الواحد.
إبدال الياء من اللام
وهو في قولهم : أمليت الكتاب ، إنما أصله «أمللت» فأبدلت اللام الآخرة ياء هربا من التضعيف ، وقد جاء القرآن باللغتين جميعا ، قال تعالى : (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفرقان : ٥) (٢) ، وقال عز اسمه : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) (البقرة : ٢٨٢) (٣).
إبدال الياء من الصاد
أخبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب ، قال : قال اللحياني : قصّيت أظفاري في معنى قصّصتها ، فهذا مثل «تظنّيت» أبدلت الصاد الثالثة ياء كراهية للتضعيف. وقد يجوز عندي أن يكون «قصّيت» : «فعّلت» من أقاصي الشيء ؛ لأن أقاصيه أطرافه ، والمأخوذ من الأظفار إنما هو أطرافها وأقاصيها ، فلا يكون في هذا بدل.
__________________
(١) لم يتسن : هذه قراءة حمزة والكسائي في الوصل فهما يحذفان الهاء وبقية السبعة يقرؤون (لَمْ يَتَسَنَّهْ) بإثبات الهاء في الوصل. انظر القراءات السبع (ص ١٨٩).
(٢) (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً :) الشاهد فيه (تملى) حيث أبدلت الياء من اللام تخفيفا والأصل (تملل). إعرابه : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضم المقدر.
(٣) (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ :) الشاهد فيه (ليملل) حيث جاء الفعل بإثبات اللام دون إبدال. إعرابه : فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون.