وذكرت ذلك في كتابي (١) في شرح تصريف أبي عثمان ـ رحمه الله ـ فتجنبت الإطالة بذكره هنا.
فإذا كان هذا وغيره مما ندع ذكره اكتفاء بهذا قد أعلت عينه ولامه جميعا ، جاز أيضا أن تحمل «باء» و «طاء» و «هاء» وأخواتهن في إعلال عيناتها ولاماتها جميعا عليه ، فقد صار إذن تركيب «طاء» و «حاء» ونحوهما بعد التسمية من «ط وي» ومن «ح وي» وصارا كأنهما من باب «طويت» و «حويت» وإن لم يكونا في الحقيقة منه ، ولكنهما قد لحقا بحكمه ، وجريا في القضية مجراه ، فلو اشتققت على هذا من هذه الحروف بعد التسمية فعلا على «فعّلت» لقلت من الباء «بوّيت» ، ومن التاء «توّيت» ، ومن الثاء «ثوّيت» ، ومن الحاء «حوّيت» ، ومن الخاء «خوّيت» ومن الراء «روّيت» ، ومن الطاء «طوّيت» ، ومن الظاء «ظوّيت» ، ومن الفاء «فويّت» ، ومن الهاء «هوّيت» ، ومن الياء «يوّيت» كما تقول في «فعّلت» من «طويت» و «حويت» : «طوّيت» و «حوّيت».
هذا هو القياس الذي تقتضيه حقيقة النظر ، وأما المسموع المحكي عنهم فأن يقولوا «بيّيت ، وتيّيت ، وثيّيت ، وحيّيت ، وخيّيت ، وطيّيت ، وظيّيت ، وييّيت ياء حسنة» وكذلك بقية أخواتها ، فظاهر هذا القول يدل من رأيهم على أنهم اعتقدوا أن الألف في نحو : باء ، وتاء ، وحاء ، وخاء بدل من ياء ، وجعلوا الكلمة من باب «حييت» و «عييت» ونحوهما مما عينه ولامه ياءان.
والذي حملهم على هذا عندي سماعهم الإمالة في ألفاتهن قبل التسمية وبعدها ؛ ألا تراك تقول إذا تهجيت : با تا ثا حا خا را طا ظا ها يا ، وقالوا بعد التسمية والنقل : باء ، وتاء ، وثاء ، وحاء ، وطاء ، وظاء ، فلما رأوا الإمالة شائعة في هذه الألفات قبل النقل وبعده حكموا لذلك بأن الألفات فيهن منقلبات عن ياءات ، وأنها قد لحقت في الحكم بالألفات المنقلبة من الياءات ، فلذلك قالوا : حيّيت حاء ، وطيّيت طاء ، ونحو ذلك. وأنا أذكر وجه الإمالة في هذه الحروف ، وأدل على صحة القياس الذي ذهب إليه أبو علي.
__________________
(١) هو المسمى «المنصف» (٢ / ١٥٢).