إذ لو كانت مقدرة في المعنى صفة للزوم خروجها على ذلك إلى اللفظ إذ ليس إجراء الصفة في اللفظ صفة مستكرها. وأما المصدر فجريانه وصفا في اللفظ فيه استكراه ، فغير منكر أن يمتنع منه في اللفظ ويعتقد في المعنى. وإنما جاز اعتقاده في المعنى وإن لم يكن الوصف بالمصدر في قوّة الوصف بصريح الصفة ، لأنه وإن كان كذلك فهو على كل حال جائز مستعمل في بعض المواضع ، فاعرف ذلك إن شاء الله.
ونظير هذا الذي أريتك قول سيبويه (١) في عدة إذا سميت به رجلا أن تقول : عدات ، وعدون ، فتجيز جمعه بالتاء ، وبالواو والنون ، ولا يمتنع من ذلك فيه وإن كان قبل التسمية به لم يجمع ، وإنما جاز فيه الجمع بالتاء ، وبالواو والنون بعد التسمية به وإن لم يكن ذلك جائزا ولا مسموعا فيه قبل التسمية من قبل أنه كان قبل التسمية مصدرا ، والمصادر يقلّ الجمع فيها ، فلما سمي به خرج عن مذهب المصدر إلى الاسمية ، فلحق بسنة وعضة ، فجرى عليه ما يجري عليهما من جواز الجمع لأنهما ليسا مصدرين.
أفلا ترى إلى سيبويه (٢) كيف احتج لترك جمعهم عدة وهي مصدر بأن المصادر يضعف جمعها ، فيقبح في اللفظ ، فكذلك أيضا يضعف في القياس أن تجري المصادر أوصافا إلا على ضرب من التأول. فلما ضعف ذلك فيها في القياس قلّ استعمالهم إياها في اللفظ أوصافا ، وحصل فيه بعض الاستكراه ، فلذلك لم يسمع عنهم : مررت بالرجل العلاء لضعف جريان المصادر أوصافا في القياس ، فمن هنا جفا ذلك في اللفظ وإن كان قد يجوز تخيّله على ضرب من التوسع في المعنى.
فأما العزّى فمن أمثلة الأوصاف بمنزلة الصغرى والكبرى ، فلو اعتقدوا الوصف بها لما منع من خروجها إلى اللفظ صفة مانع ، فمن هنا ضعف أن تكون العزّى صفة وتأنيث الأعزّ ، وإذا لم تكن صفة فاللام فيها زائدة كما قال أبو الحسن.
__________________
(١) ذكر ذلك سيبويه في الكتاب (٢ / ٩٩).
(٢) قال في الكتاب (٢ / ٩٩): «وأما عدة فلا تجمعه إلا عدات ، لأنه ليس شيء مثل عدة كصّر للجمع ، ولكنك إن شئت قلت عدون إن صارت اسما كما قلت : لدون». وقال : في (٢ / ٢٠٠) «واعلم أنه ليس كل جمع يجمع كما أنه ليس كل مصدر يجمع كالأشغال والعقول والحلوم والألباب ، ألا ترى أنك لا تجمع الفكر والعلم والنظر».