وهذا فصل
نذكر فيه مذهب العرب في مزج الحروف بعضها ببعض ،
وما يجوز من ذلك ، وما يمتنع ، وما يحسن ، وما يقبح ، وما يصحّ.
اعلم أن حروف المعجم تنقسم على ضربين : ضرب خفيف ، وضرب ثقيل ، وتختلف أحوال الخفيف منهما ، فيكون بعضه أخف من بعض ، وتختلف أيضا أحوال الثقيل منهما ، فيكون بعضه أثقل من بعض. وفي الجملة فأخف الحروف عندهم وأقلها كلفة (١) عليهم الحروف التي زادوها على أصول كلامهم ، وتلك الحروف العشرة المسمّاة حروف الزيادة ، وهي : الألف ، والياء ، والواو ، والهمزة ، والميم ، والنون ، والتاء ، والهاء ، والسين ، واللام ، ويجمعها في اللفظ قولك «اليوم تنساه» وإن شئت قلت «سألتمونيها» ، وإن شئت قلت «هويت السّمان».
فإن قلت : ألست تعلم أن الهمزة مستثقلة عندهم ، ولذلك ما دخلها الحذف والبدل في كثير من الكلام ، فلم ذكرتها في الحروف الخفيفة؟
فالجواب : أن الهمزة وإن كانت كذلك فإنك قادر على إعلالها وقلبها والتلعّب بها تارة كذا وتارة كذا ، وهذا لا يمكنك في الجيم ولا في القاف ولا في غيرهما من الحروف الصحاح ؛ وأيضا فإن مخرجها مجاور لمخرج أخف الحروف ، وهي الألف ، وأيضا فإنها لتباعدها من الحروف ما يستروح إلى مزج المتقارب مما بعد عنها بها ؛ ألا ترى أنك تقول «دأب» (٢) فتفصل بين الدال والباء بالهمزة ، فيكون ذلك أحسن من فصلك بينهما بالفاء لو جاء عنهم نحو «دفب» (٣) ، وتقول «نأل» (٤) فتفصل بها بين النون واللام ، ولو فصل بينهما بالراء ، فقيل «نرل» لم يكن حسنا ، فالهمزة وإن
__________________
(١) كلفة : تجشم الشيء على مشقة وعلى خلاف عادتك. اللسان (٩ / ٣٠٧) مادة / كلف.
(٢) دأب : الشاهد فيها الفصل بين الدال والياء بهمزة ، كما ذكر ابن جني.
(٣) دفب : يقصد دأب ويتم الفصل بين الدال والباء بالفاء وهو مستقبح.
(٤) نأل : مشى ونهض برأسه إلى فوق مثل الذي يعدو وعليه حمل ينهض به.