الدليلين
______________________________________________________
(١) تنافي الدليلين إما أن يكون بحسب المدلول المطابقي وطرد كلّ منهما لتمام ما يدل عليه الآخر ، وإما أن يكون بحسب المدلول التضمني أي تمانع الدليلين في بعض مدلوليهما ، وإما أن يكون بحسب المدلول الالتزامي. فالأوّل ـ وهو التنافي في المدلول المطابقي ـ أظهر مصاديق التعارض ، نظير ما دلّ على استحباب القنوت في ركعتي الشفع وما دلّ على عدم استحبابه فيهما.
ونظير ما دلّ على انفعال البئر والماء القليل بملاقاة النجاسة ، وما دلّ على عدم انفعالهما بها. ويصدق تعريف التعارض عليهما سواء أكان بمعنى تنافي المدلولين أم تنافي الدليلين في مقام الإثبات.
والثاني ـ أي التنافي في المدلول التضمني ـ نظير العامّين من وجه ، وهو كثير في الأخبار ، فمنها ما قيل : من تعارض قوله عليهالسلام : «أفضل صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة» مع قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «صلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة فيما عداه إلّا المسجد الحرام» ووجه التعارض واضح ، فإنّ الأفضل للمتنفِّل بمكة والمدينة الصلاة في داره بمقتضى إطلاق الخبر الأوّل ، كما أن الأفضل له هو الإتيان بالنافلة في أحد المسجدين بمقتضى إطلاق الخبر الثاني الشامل للمكتوبة والنافلة ، فمورد الاجتماع هو التنفل في المسجدين.
والثالث ـ أي التنافي في المدلول الالتزامي ـ يجري في الالتزام الشرعي تارة ، وفي الالتزام العقلي أخرى. أما الدلالة الالتزامية الشرعية ، فكما إذا دلّ دليل على وجوب القصر في أربعة فراسخ ، ودلّ دليل آخر على وجوب الصوم فيها ، فإنّهما من حيث المدلول المطابقي لا منافاة بينهما ، لتعدد الموضوع. لكن الملازمة الشرعية بين الإفطار والقصر الثابتة بدليل خارجي ـ وهو قوله عليهالسلام : «كلّما قصّرت أفطرت ، وكلما أفطرت قصّرت» ـ أوجبت التنافي بينهما ، وحينئذ فما يدل على وجوب القصر ينفي التزاما وجوب الصوم ، كما أن ما يدل على وجوب الصوم ينفي التزاما وجوب القصر.
وأما الدلالة الالتزامية العقلية ، فكما إذا دلّ دليل على وجوب شيء ، فانه يدل بالالتزام العقلي على وجوب ما يتوقف عليه ، وإذا ورد ما يدلّ على عدم وجوب تلك المقدمة دلّ