ومنها (١) : أنه لو لم يجب ترجيح ذي المزية لزم ترجيح المرجوح على الراجح ، وهو (٢) قبيح عقلا ، بل ممتنع قطعا.
وفيه (٣) : أنّه إنّما يجب الترجيح لو كانت المزيّة
______________________________________________________
(١) معطوف على «منها» أي : ومن الوجوه التي استدلّ بها على لزوم تقييد إطلاقات التخيير بأخبار الترجيح أنه لو لم يجب ... ، قال في البدائع في عداد الأدلة على الترجيح : «الثالث : أن العدول من الراجح إلى المرجوح قبيح عقلا ، بل ممتنع قطعا ، فيجب العمل بالراجح لئلا يلزم ترجيح المرجوح على الراجح. استدلّ به جماعة من الأعلام من الخاصة والعامة ، كما عن النهاية والتهذيب والمبادي والمنية وغاية المبادي وغيرهم ، بل في الرسالة أيضا الاستدلال به في ضمن كلام له ..» (١).
واعتمد عليه المحقق القمي في القوانين أيضا بقوله : «وإذا حصل الترجيح لإحدى الأمارتين يجب تقديمها لئلا يلزم ترجيح المرجوح».
وهذا الوجه عقلي كما أن الوجه السابق نقلي. ومحصل هذا الوجه : أن ترجيح فاقد المزية على واجدها يوجب ترجيح المرجوح على الراجح ، وهو قبيح عقلا ، فيلزم ترجيح ذي المزية على غيره لئلا يلزم هذا القبح العقلي ، بل الامتناع القطعي.
(٢) الضمير راجع إلى «ترجيح المرجوح».
(٣) هذا جواب الاستدلال المزبور ، وضمير «أنه» للشأن. ولا يخفى أنه قد يناقش في الدليل المتقدم بفرض الكلام تارة في فعل العبد ، وأنّ ترجيح المرجوح من الطرفين على الآخر قبيح أم لا ، وأخرى في فعل الشارع ، وأنّه مع اشتمال أحد الخبرين على مزية تقرّبه إلى الواقع هل يجوز له الترخيص في الأخذ بكل منهما أم يتعين عليه الحكم بحجية
__________________
إطلاقات التخيير ، فإنّه ما لم يحرز مقيِّدها يؤخذ بها ، لكونها حجة. وعليه فعدُّ الكليني مخالفا لوجوب الترجيح غير ظاهر ، بل اللازم عده من القائلين بوجوب الترجيح.
نعم لا بأس بالمناقشة في الإجماع من جهة أخرى ، وهي احتمال مدركيته ، لقوة احتمال كون مدرك المجمعين الروايات والوجوه العقلية التي استندوا إليها في وجوب الترجيح ، وتقييد إطلاقات التخيير بها. وعليه فليس من الإجماعات الكاشفة المعتبرة.
__________________
(١) بدائع الأفكار ، ص ٤٣١.