ثم إن هذا (١) كلّه إنّما هو بملاحظة
______________________________________________________
(١) المشار إليه هو ما تقدم من الأبحاث المتعلقة بكون مخالفة العامة مرجحا جهتيا ، وتقدمها على المرجح الصدوري كما عن الوحيد البهبهاني ، وبالعكس كما عن الشيخ ، أو
__________________
عدم العمل بموافق العامة مطلقا قطعيا كان أو ظنيا ، إذ لا فرق بينهما إلّا احتمال عدم الصدور في الثاني دون الأول ، وبداهة العقل قاضية بأنّ احتمال عدم الصدور لو لم يكن منشأ لعدم التعبد فلا يصلح منشأ للتعبد ، سواء كان راويه جامعا للصفات المرجحة ، أو كان سنده كذلك أو لم تكن ، فاحتمال تقديم المرجحات السندية على مخالفة العامة ... إلخ».
ومحصله : أن مخالفة العامة لا تخلو إمّا أن تكون من المرجحات الخارجية ، وإمّا من المرجحات الداخلية. فإن كانت كموافقة الكتاب مرجحا خارجيا فالمفروض اعتراف شيخنا الأعظم بتقديمها على المرجح الصّدوري. وإن كانت مرجحا داخليا كشهرة الرواية فالخبر الموافق للعامة بالنظر إلى أدلة الترجيح ـ لا الأدلة الأوّلية على حجية الخبر ، لعدم شمولها لحال التعارض كما مرّ ـ يدور بين عدم الصدور أصلا والصدور بداعي الجدّ ، وهو ساقط عن الاعتبار ، لاندراجه في قوله عليهالسلام : «إذا سمعت منّي ما يشبه قول الناس ففيه التقية» بعد وضوح عدم إرادة مطلق الشباهة ، للاشتراك في كثير من الأحكام ، وانحصار مورد الرواية بالمتعارضين.
نعم تطرّق الاحتمالات الثلاثة ـ المذكورة في المتن ـ في الخبر الموافق للعامة إنما يتجه بالنظر إلى الدوران الواقعي مع قطع النّظر عن أخبار الترجيح ، إذ كما يحتمل عدم صدور الموافق أصلا وصدوره ، تقية ، كذلك يحتمل صدوره لبيان الحكم الواقعي ، إلّا أنّ مفروض الكلام سقوط الأدلة الأوّلية ، واستناد حجية أحد الخبرين تعيينا أو تخييرا إلى الأخبار العلاجية ، وهي تقتضي ترجيح أصالة الجهة في الخبر المخالف للعامة على أصالة الجهة في الخبر الموافق لهم ، وأنّه على تقدير صدوره واقعا محمول على التقية ، ومعه لا يحتمل صدوره لبيان الحكم الواقعي حتى يسلم كلام الشيخ عمّا أورده المحقق الرشتي عليه.
وأما ما أفاده المصنف ـ من حمل كلام الشيخ في المتكافئين على الحجية الإنشائية لا الفعلية ، لأنه لا دليل عليها لا من الأدلة الأوّلية ولا من أدلة العلاج ، فكيف يلتزم بها الشيخ حتى ينتفض بما أورده المحقق الرشتي عليه؟ ـ فهو حمل له على خلاف ظاهره ، إذ لو كان غرضه أصل الإنشاء لم يكن إطلاق دليل الحجية بالنسبة إلى تلك المرتبة مستلزما للخلف في المتفاضلين أيضا.