.................................................................................................
______________________________________________________
.................................................................................................
__________________
فالاجتهاد بمعنى استفراغ الوسع ونحوه لا يتوقّف على قوّة قدسيّة وموهبة إلهيّة وقذف نور منه تعالى شأنه في قلب المستنبط وإن كان كل كمال علمي وعملي منه تعالى. فما في القوانين والفصول من «اعتبار القوة القدسية» إن أريد به مجرد ملكة الاستنباط كان في محله ، لما تقدّم من استحالة الاجتهاد بدون هذه الملكة. وإن أريد به أمر آخر وهو إشراق الفيوضات الربانية على قلب المجتهد ، فلا ريب في عدم اعتباره في أصل الاجتهاد ، لحصول ملكة الاستنباط للعادل والفاسق والمؤمن والمنافق بمجرّد إتقان المبادئ الدخيلة في تحصيل الحجة على الحكم الشرعي.
نعم لا شكّ في أنّ المجتهد الموضوع لجميع الآثار كنفوذ قضائه وولايته على القصّر والجهات وغيرهما هو المجتهد العادل ، بل فوق العدالة بناء على ما هو المحتمل من رواية التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام. وحصول هذه الملكة القدسية يتوقف على الالتزام العملي بأوامر الشارع ونواهيه وتخلية النّفس من الرذائل وتحليتها بالفضائل والمراقبة في الخلوة والجلوة ، فانه لا يعزب عن علمه وساوس النّفس فضلا عن أعمال الجوارح ، ولا ريب في أنّ حصول هذه القوة القدسية في مثل هذه الأزمنة كاد أن يلحق بالمحالات إلّا من شملته العناية الإلهية ، عصمنا الله جميعا من الخطأ والزلل في القول والعمل.
وفي ختام الكلام لا بأس بذكر أمر تعرض له بعض المحققين (١) ، وهو : أنّ ملكة الاجتهاد تفترق عن الملكات الخلقية كالشجاعة والسخاوة ونحوهما بأن هذه الملكات تحصل من الأفعال المسانخة لآثارها ، فالشجاع لا بد أن تتكرر منه منازلة الأبطال ، والإقدام في المخاوف حتى تحصل له ملكة الشجاعة ويصحّ إطلاق الشجاع عليه ، وبعد حصولها تكون الأفعال الصادرة منه آثارا لتلك القوة الراسخة في نفسه ، ومسانخة للأفعال السابقة على حصول الملكة ، فالأفعال السابقة على حصولها واللاحقة له متماثلة.
وهذا بخلاف ملكة الاستنباط ، فإنّ حصولها منوط بإتقان مبادئ الاجتهاد خصوصا علم الأصول ، وبعد حصول هذه الملكة تكون نتيجتها القدرة على استنباط الأحكام الفرعية ، ومن المعلوم مغايرة الاستنباط المتوقف على الملكة للمبادئ التي يتوقّف حصول الملكة عليها.
وحيث كانت ملكة الاستنباط مقدمة على نفس العمل ـ لاستحالته بلا قوّة عليه ـ تعرف إمكان انفكاكها عن الاستنباط الخارجي ، فقد تحصل هذه القدرة بسبب إتقان مبادئ حصول الملكة ،
__________________
(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ١٩١