وأمّا التجزّي في الاجتهاد ، ففيه مواضع من الكلام (١) :
الأوّل : في إمكانه (٢) ،
______________________________________________________
أحكام التجزّي في الاجتهاد :
١ ـ إمكانه وقوعا
(١) قد تقدم في صدر هذا الفصل أنّ الكلام يقع في مقامين ، أحدهما في الاجتهاد المطلق ، وثانيهما : في المتجزي ، وقد انتهى الكلام في المقام الأوّل ، فيقع البحث فعلا في المقام الثاني ، وفيه مواضع ثلاثة كما أشير إليها ثمة ، أوّلها في إمكانه وامتناعه.
(٢) هذا إشارة إلى الموضع الأوّل. اعلم : أنّه وقع الخلاف بين الأعلام في إمكان التجزّي وعدمه ، والمصنف «قده» أثبت إمكانه بوجهين :
الأوّل : شهادة الوجدان بإمكان التجزي ، حيث إنّ أبواب الفقه مختلفة مداركها سهولة وصعوبة ، فربّ حكم اختلفت فيه الأقوال وتضاربت أدلته وتعارضت أخباره ، وربّ حكم كان مدركه رواية واحدة ظاهرة الدلالة وتامة السند ، ومن المعلوم أنّ الاستنباط في الأوّل أصعب منه في الثاني.
وكما تختلف نفس مدارك الأحكام ، كذلك تختلف الأشخاص في الاطّلاع على مداركها ، فبعضهم ماهر في مدرك بعض أبواب الفقه كالعبادات ، لكثرة ممارسته فيها ، واطّلاعه على وجوه الجمع بين أخبارها المتعارضة ، وليس له مهارة في أبواب المعاملات ، لتوقف استنباط أحكامها على جملة من القواعد العامّة التي لم تكن له قدرة وافية على تنقيحها وتعيين حدودها وموارد جريانها. وبعضهم بالعكس. ومن المعلوم أنّ الاختلاف في الجهتين المتقدمتين ـ أعني به اختلاف المدارك سهولة وصعوبة ، واختلاف الأشخاص في الاطّلاع والمهارة في الأدلة ـ يستلزم التجزي في الاجتهاد ، بأن يكون الماهر في مدارك العبادات دون غيرها قادرا على استنباط أحكام العبادات فحسب ، والماهر في المعاملات مثلا متمكنا من استنباط أحكامها دون أحكام العبادات ، ولا نعني بالتجزي إلّا القدرة على استنباط بعض الأحكام.