والأشخاص ، ضرورة (١) خفّة مئونة الاجتهاد في الصدر الأوّل ، وعدم حاجته إلى كثير مما يحتاج إليه في الأزمنة اللاحقة ، مما لا يكاد يحقق (٢) ويختار عادة إلّا بالرجوع إلى ما دوّن فيه من الكتب الأصولية (*).
______________________________________________________
الصدر الأوّل محتاجا إليه. ولزوم الفحص من جهة أن ما استظهره من الخبر هل يوافق ما استفادة الأصحاب؟ وهل يكون في مورده إجماع قطعي أو شهرة كذلك أم لا؟ وكل هذه الأمور لم يكن في عصر الحضور.
وقد تختلف مراتب الحاجة إلى علم الأصول بنظر الأشخاص المتصدّين للاستنباط ، فربما كان بعضهم سريع القطع بحكم يستنبطه ، ولا يتخيّل معارضة مدركه بأمر آخر ، فلا يحتاج إلى إعمال قواعد أصولية ، بخلاف مجتهد آخر بطيء الجزم بما يستنبطه من الأحكام ، فهو محتاج جدّاً إلى إعمال قواعد أصولية فيه.
(١) تعليل وبيان لقوله : «نعم يختلف» واقتصر المصنف على تقريب مراتب الحاجة إلى علم الأصول بلحاظ قرب عهد الاستنباط بعصر الحضور وبعده عنه ، وقد عرفت آنفا مراتب الحاجة بلحاظ المسائل والأشخاص أيضا. والمقصود من هذا كله أنّ الحاجة إلى علم الأصول موجبة جزئية مسلّمة ، ولا وجه لإنكارها ، وإنّما الكلام في مقدار الاحتياج إليه ، وهو يختلف باختلاف الأشخاص ، والصحيح أنّ جلّ ما دوّن في كتب الأصول المتأخّرة دخيل في الاستنباط.
(٢) بصيغة المجهول ، يعني : لا يمكن أن يختار المجتهد رأيا أو يحقّق حكما إلّا بالاستعانة من القواعد الأصولية.
__________________
(*) كما يلزم الاطّلاع على شيء من المباحث المنطقية كشرائط البرهان ، وكيفية تراكيب البراهين وامتيازها عن سائر مواد الأقيسة من الصناعات الخمس من الجدل والخطابة والشعر والسفسطة ، لتوقف استنباط الأحكام من مآخذها على الاستدلال ، وذلك لا يتم إلّا بالمنطق ، بل هو من مبادئ علم الأصول أيضا ، لأنه من العلوم النظرية التي يكثر فيها الاختلاف ، فلا بد من معرفة مواد الأقيسة لتمييز البرهان عما يكون مصادرة على المطلوب أو مغالطة.
ومما يتوقف عليه الاستنباط علم الرّجال ، لأنّ عمدة أدلة الأحكام الشرعية لما كانت أخبار