العقليات (١) ،
______________________________________________________
اجتهاده وغلب على ظنّه ، وهو قول القاضي أبي بكر وأبي الهذيل والجبّائي وابنه. وقال آخرون : المصيب فيها واحد ومن عداه مخطئ ، لأنّ الحكم في كل واقعة لا يكون إلّا معيّنا ، لأنّ الطالب يستدعي مطلوبا ، وذلك المطلوب هو الأشبه عند الله في نفس الأمر».
وقال ابن حزم : «ذهبت طائفة إلى أنّ كل مجتهد مصيب ، وأن كل مفت محقّ في فتياه على تضاده».
وقال الغزالي : «انه ليس في الواقعة التي لا نصّ فيها حكم معيّن يطلب بالظن ، بل الحكم يتبع الظن ، وحكم الله تعالى على كل مجتهد ما غلب على ظنه ، وهو المختار ، وإليه ذهب القاضي. وذهب قوم من المصوّبة إلى أنّ فيه حكما معيّنا يتوجه إليه الطلب ، إذ لا بد للطلب من مطلوب ، لكن لم يكلّف المجتهد إصابته فلذلك كان مصيبا وإن أخطأ ذلك الحكم المعيّن الّذي لم يؤمر بإصابته ، بمعنى أنّه أدّى ما كلّف ، فأصاب ما عليه» ثم أطال الكلام في بيان مختاره وبيان الفارق بين ما لا نصّ فيه وما فيه النص ، فراجع (١).
والحاصل : أن الناظر في كلماتهم يظهر له أنّهم مختلفون في التصويب ، فبعضهم ينكره رأسا ، وبعضهم يلتزم به في ما لا نصّ فيه. وعليه فنسبة التصويب إلى المخالفين مطلقا أو إلى الأشاعرة خاصة دون المعتزلة لا تخلو من شيء.
(١) لأنّ التصويب فيها مساوق لجواز اجتماع النقيضين أو الضدين ، وبيانه : أن المراد من العقليات هي الأمور النّفس الأمرية المتحققة في صقع الواقع التي لا يتوقف تحققها على اعتبار معتبر وفرض فارض ، سواء تحققت في وعاء الخارج كالجواهر والأعراض ، أم لم تتحقق فيه ، بل كانت ثابتة في وعائها المناسب لها كاستحالة اجتماع الضدين والنقيضين وإمكان الممكن وغيرها ، فهذه أمور واقعية لا يتوقّف تحققها على اعتبار الشارع أو العقلاء وان لم توجد في الخارج في نفسه أو في غيره كما هو حال الجواهر والأعراض.
والوجه في اتفاق كلمتهم على التخطئة في هذه الأمور العقلية هو استلزام القول بالتصويب فيها لاجتماع الضدين أو النقيضين ، مثلا إذا أدرك عقل زيد إمكان إعادة
__________________
(١) نقلت هذه الكلمات من كتاب أصول الفقه المقارن للعلّامة السيّد محمّد تقي الحكيم ، ص ٦١٧ وغيرها