بعدد آراء المجتهدين ، فما يؤدّي إليه الاجتهاد هو حكمه تبارك وتعالى.
ولا يخفى أنه (١) لا يكاد يعقل الاجتهاد في حكم المسألة إلّا إذا كان لها
______________________________________________________
الأدلة.
(١) الضمير للشأن ، شرع المصنف من هنا في مناقشة التصويب ـ بناء على حجية الأمارات بالسببية والموضوعية ـ وما يحتمل في معناه ثبوتا وفي نفس الأمر ، وذكر وجوها ثلاثة يكون التصويب في أوّلها معقولا في نفسه وباطلا بلحاظ الأدلة النقليّة ، وفي ثانيها محالا ، وفي ثالثها صحيحا لا بد من الالتزام به.
وقبل بيان الوجوه الثلاثة نبّه على أمر يكون هو المعيار في بطلان التصويب المنسوب إلى العامة وصحته ، فقال ما محصله : إنّ الاجتهاد هو استفراغ الوسع وبذل الجهد لتحصيل الظن بالحكم الشرعي ، وهذا المعنى في نفسه متوقف على وجود حكم في الواقع يتفحّص عنه المجتهد ليحصل له الظن به. ولو لم يكن في الواقع شيء ، وكان نفس حكميّة الحكم متوقفة على اجتهاد المجتهد واستنباطه فعمّا يبحث؟ وفي ما ذا يستفرغ وسعه؟ وقد ورد في كلام بعضهم : أن المطلب يقتضي وجود مطلوب حتى تصل إليه اليد تارة وتقصر عن تناوله أخرى.
وعليه فلو كان المراد بالتصويب خلوّ صفحة الواقع عن جميع مراتب الحكم حتى الاقتضاء والإنشاء ، ومع ذلك توقف الحكم على قيام ظن المجتهد به فهو محال ، لاستحالة الفحص عن العدم البحث ، واستلزم الدّور المحال ، لتوقف الاجتهاد على الحكم ، وتوقف الحكم على الظن به.
وبعد وضوح هذا الضابط الكلّي ـ الّذي هو من القضايا التي معها قياساتها ـ تعرّض المصنف للاحتمالات الثلاثة في التصويب وحكم كل منها :
الأوّل : أن يكون المراد من التصويب الالتزام بإنشاء أحكام في الواقع بعدد آراء المجتهدين ، وحاصله : أنّ الشارع الأقدس لمّا كان عالما بما يؤدّي إليه آراء المجتهدين فقد أنشأ أحكاما في الواقع ـ بعدد آرائهم ـ قبل أداء اجتهاداتهم إليها ، لعلمه تعالى بآرائهم ، وأنّ حكم كل واحد منها هو الّذي أدّى إليه ظن المجتهد واقعا ، إذ المجعول