.................................................................................................
______________________________________________________
بالحكم لا بد وأن يتأخّر رتبة عن ذلك الحكم ، وإلّا فلا يصدق حدّ الاجتهاد على الاجتهاد الموجب لوجود الحكم قبله.
وبالجملة : فتعريف العامة الاجتهاد بالمعنى المذكور آنفا ينافي ذهابهم إلى التصويب بهذا المعنى المستحيل.
الثالث : أن يكون المراد من التصويب التصويب بالنسبة إلى الحكم الفعلي ، لا جميع مراتب الحكم ، وبيانه : أنّ للحكم الواقعي في كل واقعة مراتب أربع : الاقتضاء والإنشاء والفعلية والتنجز. وله تعالى في الواقع أحكاما مجعولة على حسب ما فيها من المصالح المقتضية لجعلها ، وهي التي قامت الأمارات عليها ، وتلك الأحكام إنشائية ، فإن أصابت الأمارات القائمة عليها الموجبة لظنّ المجتهد بها صارت فعلية ، وإن أخطأت صار الحكم الفعلي مؤدّى الأمارة ، لحدوث مصلحة في مؤداها بسبب قيام الأمارة عليه تكون تلك المصلحة أقوى من مصلحة الحكم الإنشائيّ ، فيكون الحكم الفعلي على طبق الأمارة ، لحصول الكسر والانكسار في الملاك الواقعي الثابت في الفعل كشرب الخمر ، بعد حدوث مصلحة في العمل بالأمارة.
وهذا نظير الأحكام الثانوية الفعلية المترتبة على العناوين الثانوية ، ويبقى الحكم الواقعي الأوّلي على إنشائيته ، فمن لم تقم عنده أمارة على الحكم لم يكن حكم فعلي في حقه ، وبه يتعدد الحكم الفعلي بعدد آراء المجتهدين.
وحكم هذا التصويب المعتزلي هو : أنّه معقول في نفسه ـ بناء على موضوعية رأي المجتهد وسببية كل أمارة لحدوث مصلحة في مؤداها توجب تغير الحكم الواقعي ـ إذ لا مانع من توقف فعلية الأحكام الواقعية على قيام الأمارة على طبقها ، ومن اختصاص تلك الأحكام ببعض المكلفين دون بعض ، نظير اختصاص أحكام النساء بهنّ ، وعدم اشتراك الرّجال فيها معهن.
والّذي يرد على هذا المعنى للتصويب أمور عمدتها أمران ، أحدهما : بطلان أصل المبني ، للإجماع على عدم كون الأمارة حجة من باب السببية حتى تكون مغيرة للواقع كما يتغيّر بطروء عنوان ثانوي كالضرر والخوف والاضطرار.