نعم (١) بناء على اعتبارها من باب الطريقية
______________________________________________________
(١) استدراك على قوله : «بل لا محيص عنه في الجملة» يعني : أنّ ما تقدم من لابديّة
__________________
وعلى الثاني ـ وهو فرض الالتفات إلى أنه لا حكم قبل الاعتقاد ـ ففي تحقق الاعتقاد بالحكم محذور ، وذلك لأنّه مع اعتقاده بعدم الحكم كيف يعتقد بنفس الحكم ، إذ المفروض أن موضوع جعل الحكم هو الاعتقاد بالحكم ، والمفروض أيضا أنه يعتقد بعدم الحكم ، لتأخر رتبة الحكم عن الاعتقاد بالحكم ، وتبعيته للاعتقاد. وعليه فمع اعتقاده بعدم الحكم ـ لالتفاته إلى تأخر الحكم عن الاعتقاد به ـ كيف يعتقد بنفس الحكم؟ وهل هو إلّا اجتماع النقيضين؟
وبتقرير آخر : مفروض الكلام في هذا التصويب تبعية الحكم للاعتقاد ، فلا حكم في ظرف الاعتقاد بالعدم ، لكون الحكم وليدا للاعتقاد بالحكم ومترتبا عليه ، فقبل الاعتقاد بنفس الحكم يعتقد بعدم الحكم ، فكيف يحصل الاعتقاد بالحكم في ظرف الاعتقاد بعدم الحكم؟ لأنهما اعتقادان متناقضان ، هذا.
وهذا البيان مع دقته في نفسه يمكن أن يجاب عنه بعدم لزوم محذور اجتماع النقيضين في هذا التصويب ، لتعدد متعلق الاعتقاد ، فان الحكم الّذي يعتقد بعدمه قبل الفحص في الأمارات هو الحكم الواقعي ، لخلوّ صفحة التشريع عنه بحسب اعتقاده. ولكن الحكم الّذي يعتقد بوجوده بعد قيام الأمارة عنده هو الحكم الحاصل بجعل الشارع عند أداء الأمارة ورأي المجتهد إليه ، وحينئذ يغاير اعتقاد وجود الحكم اعتقاد عدمه ، لتعدد نفس الحكمين.
وعلى كلّ يكفي لردّ هذا التصويب محذور الدور والخلف على ما تقدم.
ولا يخفى أنهما لا يردان على التصويب بالمعنى الأوّل. فما أفاده المحقق المتقدم (قده) من ورود المحاذير الثلاثة على كلا التصويبين لا يخلو من شيء.
وحيث إنك قد عرفت بطلان جميع أنحاء التصويب فالحق مع ما عليه الأصحاب (قدس الله أسرارهم) من القول بالطريقية ، وعدم كون قيام الأمارة مغيّرا للواقع ، وأنّ الأمارة تنجز الواقع عند الإصابة وتعذّر عنه عند المخالفة. واختلاف العالم والجاهل إنّما يكون في مرتبة التنجز على المشهور ، وفي الفعلية التامة على مختار المحقق الأصفهاني وإن لم يخل عن كلام سبق التنبيه عليه في مباحث أصالة البراءة.