ثم إنّه لا يذهب عليك (١)
______________________________________________________
أدلة جواز التقليد
(١) هذا شروع في المقصود الأصلي من عقد هذا الفصل أعني به إثبات جواز رجوع العامي إلى المجتهد في إحراز الأحكام الشرعية وامتثالها ، وينبغي قبل توضيح المتن التنبيه على أمر يثبت به لزوم البحث عن جواز التقليد ، ومحصله : أنّ كل مكلف التفت إلى وجود الشريعة يذعن بتنجز أحكام إلزامية فيها يجب الخروج عن عهدتها وعدم إهمالها. ولا ريب في انحصار طرق إطاعتها في الاجتهاد والتقليد والاحتياط ، لا الظن ، الّذي لا يحصل بالعمل به الأمن من العقاب المحتمل. أمّا الاجتهاد فلاقتضائه العلم بأداء الوظيفة ، يوجب الأمن من خطر العقاب. وأمّا الاحتياط فكذلك ، لأنه محرز للواقع عملا.
وحيث إنّ مفروض الكلام هو المكلف الجاهل الّذي لا معنى لإيجاب الاجتهاد عليه ، لعدم كون وجوبه عينيا تعيينيا ، ولا الاحتياط ، لعدم إحراز جوازه ولا كيفيته بعد ، فيتعين عليه التقليد أي قبول قول الغير تعبدا. لكن لا بد من إقامة الدليل عليه بنحو يقطع بحجية فتوى المجتهد في حقه ، إذ لو لم يقطع بجواز التقليد كان تحت خطر العقوبة المحتملة ، فإنّ الأصل الأوّلي يقتضي عدم حجية رأي شخص على آخر ، فالخروج عنه منوط بدليل قطعي ، والمقصود فعلا بيان هذا الدليل.
__________________
وعليه فلا معنى لاعتبار رضى المجتهد في جواز التقليد ، إذ الواجب عليه ليس إلّا استنباط الحكم الشرعي على النحو المألوف بين الأعلام والإخبار به ، وليس وجوب التقليد أو جوازه مشروطا برضاه ، ولو شك في شرطيته فإطلاق أدلة التقليد يدفعه.
والحاصل : أن وظيفة المجتهد استنباط الحكم ، ووظيفة العامي العمل به مقتضى أدلة التقليد ، من دون اشتراطه برضاء المجتهد ، فلو نهى عن التقليد كان نهيا عن المعروف ، وهو حرام. والمراد بضمان المفتي في بعض الروايات هو ضمانه لصحة الاستنباط ورعاية موازينه المقرّرة عند أهله ، ولم يثبت لضمانه معنى آخر.