.................................................................................................
______________________________________________________
إذا عرفت هذا فنقول : إنّ البحث في مسألة جواز التقليد يكون في مقامين :
أحدهما : في الحجة التي يمكن للعامي ـ الّذي لا حظّ له من العلم ـ الاعتماد عليها.
وثانيهما : في الحجة التي يستدلّ بها المجتهد على أنّ العامي يجوز له التقليد ، ولا يتعيّن عليه الاجتهاد أو الاحتياط.
أمّا المقام الأوّل فقد أفاد المصنف فيه : إن جواز رجوع الجاهل إلى العالم أمر بديهي جبلي فطري ، ومن المعلوم أنّ حكم الفطرة كاف لحمل العامي على العمل بفتوى المجتهد ومتابعته له. بل سيأتي تصريحه (قده) بأنّ هذا الوجه هو العمدة من الوجوه التي استدلّ بها الأصحاب (قدسسرهم) على جواز عمل العامي بفتوى المجتهد ، في قبال من قال ببطلان التقليد ، وعدم جواز الاقتصار عليه في مقام الامتثال كما سيأتي نقل بعض كلماتهم وتوضيح ما أفاده من أنّ العامي يقطع بجواز رجوعه إلى الفقيه هو : أنّ فطرة العامي تدرك جواز متابعة المجتهد في الأحكام الشرعية ، إذ لو لم يستقل عقل كل عاقل به فإمّا أن يعتمد العامي في مسألة جواز التقليد على الأدلة الآتية التي يستدل بها المجتهد على جوازه ، وإمّا أن يعتمد على فتوى الفقيه : «بأنّ العامي يجوز له التقليد في عباداته ومعاملاته».
وكلاهما باطل. أمّا الأوّل فلمحذور الخلف ، وأمّا الثاني فللدور أو التسلسل. أمّا محذور الخلف ، فلأنّ مفروض الكلام في هذه المسألة هو مطلق الجاهل حتى الأمّي الّذي لا حظّ له من العلم ، ومثله عاجز عن الاستدلال والنّظر ، وعليه ففرض اقتدار العامي على إقامة الدليل الشرعي على جواز التقليد يكون خلاف الفرض. نعم لا بأس به في بعض المقلّدين القادر على إحراز حكم المسألة بالدليل الشرعي.
وأمّا محذور الدور أو التسلسل فلانحصار طريق العمل بجواز التقليد ـ للعامي العاجز عن الاستدلال عليه ـ في الرجوع إلى المجتهد ، وهو ممنوع أيضا ، لأنّ فتاوى المجتهد ما لم يحرز حجيتها ـ تكون مشكوكة الاعتبار ، ومن هذه الفتاوى المشكوكة فتواه «بجواز تقليد العامي من المجتهد» وحينئذ فإن ثبت جواز الرجوع إلى الفقيه في جميع الأحكام بنفس فتواه «بجواز رجوع الجاهل إلى الفقيه» لزم تقدم الشيء على نفسه ، فإنّ على