.................................................................................................
______________________________________________________
.................................................................................................
__________________
لكن لو وصلت النوبة إلى هذه الضرورة جاز له التقليد من جهة كونه ضروريا في هذه الأزمنة ، فقاطبة الفقهاء ـ لا المتفقهين ـ يقولون بجواز عمل العامي بفتوى المجتهد. وحيث كان هذا الحكم ضروريا كان اعتماد العامي عليه في إقناع النّفس بالتقليد وإلزامها به سليما عن شبهة الدور التي جعلها الماتن تاليا فاسدا للحكم ببداهة التقليد.
هذا مضافا إلى : أنّ في التمسك بالانسداد إشكالا آخر نبّه عليه بعض الأجلّة (١) وهو كونه أخصّ من المدعى ، إذ لو كان للعامي ظن بالحكم بخلاف فتوى المجتهد لم يقتض دليل الانسداد قبول رأي المجتهد تعبدا ، بل اللازم مراعاة مراتب الظنّ ، وعلى فرض التساقط فاللازم الاحتياط ، مع أنّ القائل بجواز التقليد ـ بمناط الانسداد ـ يقول به مطلقا.
وعليه يكون نفس بناء العقلاء على الرجوع إلى فتوى المجتهد وعدم اعتنائهم بظنونهم الحاصلة لهم أحيانا على خلاف رأيه ـ من غير نكير من أحد ـ كاشفا عن أنّ الحامل لهم على التقليد هو الأمر الجبليّ الفطري السليم القاضي بلزوم رجوع الجاهل إلى العالم.
وأمّا احتمال كون العمل بقول أهل الخبرة لأجل إلقاء احتمال الخلاف ، نظير ما نسب إلى شيخنا الأعظم في التعبد بالأمارات ، ففيه : أنّه فرض نادر ، ولا سبيل لحمل تقليد عامّة المكلفين عليه ، فإنّ إلقاء احتمال الخلاف منوط بالغفلة عن كثرة الاختلاف الواقعة بين فتاوى الفقهاء ، إذ مع الالتفات إليها ـ ولو إجمالا ـ لا معنى لإلقاء احتمال الخلاف فيها.
هذا بعض الكلام في الأمر الأوّل ، والظاهر أنّ العامي الغافل عن كل شيء يرى في ارتكاز نفسه الرجوع إلى المجتهد بما أنّه من أهل الخبرة بالأحكام الشرعية والوظائف العملية ، وكفى بهذا الارتكاز حاملا له على التقليد.
وأمّا الأمر الثاني ، فنقول فيه : انه أورد المحقق الأصفهاني (قده) على المتن بعدم كون جواز التقليد فطريا بديهيا جبليا ، وذلك لوجهين :
الأوّل : أنّ المقصود بالفطري إمّا أن يكون القضية الفطرية المعدودة في كتاب البرهان من القضايا الست البديهية ، وإمّا أن يكون الفطري بمعنى الجبلّة والطبع كما يقال : الإنسان مفطور على كذا أي مجبول عليه. وعلى كل من المعنيين لا يكون جواز التقليد فطريا.
__________________
(١) هذا الإشكال أورده العلامة الجليل الشيخ محمّد تقي البروجردي في رسالة الاجتهاد والتقليد المطبوعة مع تقريرات المحقق العراقي ، نهاية الأفكار ، ٤ ـ ٤٨٧