كذلك حقيقة ، لبقاء موضوعه وهو النّفس الناطقة (١) الباقية حال الموت ، لتجرده. وقد عرفت في باب الاستصحاب أن المدار في بقاء الموضوع وعدمه هو العرف ، فلا يجدي (٢) بقاء النّفس عقلا في صحة الاستصحاب
______________________________________________________
وعلا : «ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون». وعلى هذا فموضوع الرّأي وهو النّفس الناطقة باق ، ولا يرتفع بالموت ، ومقتضاه جواز تقليد الميت.
إلّا أنّ المرجع في تشخيص موضوع الاستصحاب هو العرف ، لا العقل. وقد عرفت أنّ موضوع الرّأي عرفا هو الحياة ، فلا مجال لاستصحاب جواز التقليد بعد الموت أصلا.
(١) قال العلامة في تعريفها : «فإنّ الجوهر إما أن يكون مفارقا في ذاته وفعله للمادة وهو المسمّى بالعقل ، أو مفارقا في ذاته لا في فعله ، وهو النّفس الناطقة ، فإنّها مفارقة للمادة في ذاتها وجوهرها دون فعلها ، لاحتياجها إلى الآلة في التأثير» (١). فالنفس في أوّل حدوثها بحدوث الجسم ـ بمقتضى كونها جسمانية الحدوث روحانية البقاء ـ إنسان طبيعي يحتاج إلى مادة جسمانية تدبّرها ، فهي حينئذ عقل هيولاني وبالقوة ، فإذا خرجت من القوة إلى الفعل وأدركت الكليات صارت عقلا بالفعل ، وهي في هذه المرحلة غير مرهونة بمادة ، وتكون خارجة عن المواد ودار الفساد ، فلذا لا خراب لها بخراب البدن.
وعلى هذا فمدركات المجتهد وآراؤه إن كانت كلّية فهي قائمة بالعاقلة المجردة عن المادة. وإن كانت جزئية أو كلية منبعثة عن مدارك جزئية ـ من آية خاصة أو رواية مخصوصة ـ لا قيام لهما إلّا بالخيال أو الوهم المدركين للصور الجزئية والمعاني الجزئية ، فكذلك ، لاتحاد الملكات مع النّفس ، لما تقرر في محله من أن قوى النّفس الباطنية من شئون النّفس ومراتبها ، فانها في بساطتها كل القوى. هذا مجمل الكلام ، وان شئت التفصيل فراجع ما أفاده المحقق الأصفهاني «قده» في المقام مبنيّا على كلام صدر المتألهين.
والمقصود من هذا الموجز إثبات بقاء آراء المجتهد بعد الموت لتجردها ، والمانع عن الاستصحاب إنّما هو اعتبار النّظر العرفي فيه لا العقلي.
(٢) هذا متفرع على قوله : «ان المدار في بقاء الموضوع وعدمه هو العرف».
__________________
(١) شرح التجريد ، ص ١٠٠ و ١٥٠