.................................................................................................
______________________________________________________
الثالث : أن البحث في هذا الفصل على الطريقية ـ من تساقط المتعارضين أو حجية أحدهما بلا عنوان ـ مبني على أن يكون مفاد أدلة الاعتبار حجية الخبر عينا من غير تقييد بحال التعارض ، ولا بملاحظة هذه الحالة ، إذ لو كان مفاد الأدلة حجية كل خبر مقيد بعدم وجود معارض له لم تصل النوبة إلى ملاحظة حكم العقل في حال التعارض ، بل كان كل منهما ساقطا عن الحجية من جهة عدم وجود المقتضي فيه ، لفرض دخل عدم التعارض في موضوع دليل الاعتبار. وعلى هذا فاللازم أن يكون مفاد الأدلة حجية ذات الخبر من دون ملاحظة الطواري ـ كالتعارض ـ عليه ، فتدل على حجية كل خبر في نفسه اقتضاء وإن لم يكن حجة فعلا لمكان التعارض ، كما هو الحال في المباحات الذاتيّة التي طرأ عليها العنوان المحرّم. هذا ما أفاده المصنف في حاشية الرسائل عند بيان محتملات أربعة في أدلة اعتبار الخبر الواحد (١).
إذا تمهّد هذا فنقول في توضيح المقام الأوّل : إن محتملات تعارض الخبرين بناء على الطريقية أمور كثيرة :
الأوّل : سقوطهما عن الحجية رأسا أي سواء في المدلول المطابقي والالتزامي ، وجواز الرجوع إلى الأصل ولو كان مخالفا لهما ، فالتعارض يوجب فرض كليهما كالعدم ، وكون المورد مما لا نصّ فيه.
الثاني : الحكم بالتوقف بمعنى سقوطهما في المدلول المطابقي دون الالتزامي ، وجواز الرجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما دون الأصل المخالف لهما.
الثالث : حجيتهما معا.
الرابع : حجية أحدهما تخييرا.
الخامس : حجية الموافق للواقع منهما.
السادس : حجية أحدهما لا بعينه.
وهذا الاحتمال الأخير هو مختار المصنف «قده» هنا وفي حاشية الرسائل ، ومحصل ما أفاده في وجهه : أن التعارض لمّا لم يكن موجبا لسقوط كلا المتعارضين عن الطريقية ، لعدم كونه موجبا للعلم بكذبهما معا حتى يسقط كلاهما عن الطريقية ، بل لا يوجب إلّا
__________________
(١) حاشية الرسائل ، ص ٢٦٤