.................................................................................................
______________________________________________________
العلم بكذب أحدهما ، كان اعتبار الآخر الّذي فيه مناط الحجية وهو احتمال المطابقة للواقع بلا مانع. إلّا أنّه لما كان ذلك غير متميز عمّا علم إجمالا كذبه مع احتمال انطباقه على كل واحد من المتعارضين فلا يشملهما دليل الاعتبار ، لأجل العلم بعدم صغروية كليهما له ، ولا يشمل أحدهما المعيّن ، لكونه ترجيحا بلا مرجح ، ولا أحدهما المخيّر ، لعدم فرديته للعام.
وببيان آخر : الوجه في حجية أحد المتعارضين بلا عنوان هو وجود المقتضي وفقد المانع. أمّا وجود المقتضي فلأنّ المقتضي لجعل الحجية للخبر الواحد دون سائر الأمارات هو غلبة الإصابة نوعا ، واحتمال الإصابة شخصا ، وحيث إنّ كل واحد من المتعارضين جامع لشرائط الحجية ـ لو لا التعارض ـ كان احتمال الإصابة موجودا في كل منهما ، إذ لا علم بكذب أحدهما المعيّن حتى يكون الساقط عن دليل الاعتبار خصوص معلوم الكذب. وعليه فالمقوّم لحجية كل واحد ـ أعني احتمال الإصابة بالواقع ـ موجود ، ولا بدّ من ملاحظة مقدار مانعية المانع ، وأنّه يمنع عن حجية أحدهما أو كليهما.
وأمّا فقد المانع عن حجية أحدهما فلانحصار المانع في العلم الإجمالي بكذب أحدهما ، وهو لا يوجب سقوط كليهما عن الحجية ، بل يوجب سقوط أحدهما بلا عنوان ، وذلك لتساوي نسبة هذا العلم الإجمالي إلى كلا الخبرين ، إذ لا تعيّن لواحد منهما بحسب هذا العلم.
وحيث كان المقتضي ـ أعني به احتمال الإصابة ـ موجودا في كلا الخبرين ، وكان المانع متساوي النسبة إليهما ، ولم يكن مانعا عنهما معا ولا عن أحدهما المعين كان أحد المقتضيين وهو محتمل الصدق منهما مؤثرا ـ بلا عنوان ـ في مقتضاه ، والآخر بلا عنوان أيضا ساقطا عن التأثير ، ونتيجة حجية أحدهما ، وسقوط أحدهما كذلك.
ويترتب على هذا البيان أمران :
أحدهما : سقوط المتعارضين في المدلول المطابقي ، فإنّ أحد الخبرين وإن كان حجة ـ كما عرفت ـ إلّا أنه لا علامة له تميزه عن الخبر الساقط عن الحجية ، لكونه بلا لون ولا عنوان أيضا ، لاحتمال انطباق الخبر الكاذب على كل منهما ، فلأجله يسقطان عن الاعتبار في المؤدى.