فإنّه (١) لم يعلم كذبه إلّا كذلك ـ واحتمال (٢) كون كل منهما كاذبا ـ
______________________________________________________
بخبر صحيح ، فإن الصحيح متميز عن الضعيف بماله من العنوان واقعا.
وتوضيح الفرق بين حجية أحدهما بلا عنوان وبين اشتباه الحجة باللاحجة ـ بعد اشتراكهما في صلاحية كل من البابين لنفي الثالث ـ هو : أن النافي للثالث في مسألة اشتباه الحجة باللاحجة هو الحجة الواقعية التي لها تعين واقعا وإن كانت مجهولة ظاهرا ، والنافي للثالث في مسألة حجية أحدهما بلا عنوان هو الحجة المبهمة التي لا تعيُّن لها لا واقعا ولا ظاهرا ، على ما صرّح به المصنف في حاشية الرسائل.
ويمكن تقريب الفرق بين البابين ببيان مثال ، وهو ما إذا علم إجمالا بوقوع القذر في أحد الكأسين الطاهرين ، فتارة يكون للكأس الطاهر علامة وعنوان مثل كونه كأس زيد ، وأصابت النجاسة بكأس عمرو ، لكن اشتبه الكأسان. وأخرى لا يكون الكأس الطاهر متميِّزاً عن الكأس النجس بعلامة وعنوان ، بل كان هنا كأسان أصاب القذر أحدهما.
ففي الفرض الأوّل يكون المعلوم بالإجمال متميزاً بكونه كأس عمرو ، بحيث لو كان كأس زيد متنجساً أيضا لم يكن مستنداً إلى هذا العلم الإجمالي ، بل ثبتت نجاسته بحجة أخرى ، ولو تميّز كأس عمرو عن كأس زيد صار متعلق العلم الإجمالي معلوما تفصيلا. ومسألة اشتباه الخبر الصحيح بالخبر الضعيف من هذا القبيل.
وفي الفرض الثاني حيث لا علامة للكأس الطاهر بوجه من الوجوه فلذلك يكون المعلوم بالإجمال صالحا للانطباق على كل منهما ، بحيث لو فرض نجاستهما معا لكان كل واحد قابلا لانطباق المعلوم بالإجمال عليه. والمقام من هذا القبيل ، لاستواء الخبرين في جميع ما يعتبر في الحجية ، ولا علامة تميّزا الحجة منهما عن غيرها ، فكل منهما خبر يحتمل الصدق والكذب ، بل يحتمل كذب كلا الخبرين وعدم صدور شيء واقعا ، لكن مناط الحجية ـ وهو احتمال إصابة الواقع ـ موجود في كليهما.
(١) أي : فإن معلوم الكذب لم يعلم كذبه إلّا كذلك أي بلا تعيين ولا عنوان.
(٢) معطوف على «كذلك» يعني : لم يعلم كذبه إلّا باحتمال كون كل منهما كاذبا. ويمكن عطفه على «بلا تعيين» يعني : كان بلا تعيين وكان باحتمال كون ... إلخ. كما يمكن كون الواو بمعنى «مع». وعلى كل فهذه الجملة مستغنى عنها ، فإنّ احتمال كذب كل منهما كان مستفادا من نفس التعارض ، وكون الخبر الكاذب فاقدا لعلامة تميِّزه عن الخبر الآخر.