.................................................................................................
______________________________________________________
الفقيه الّذي يواجه الأخبار المتعارضة في كثير من الأبواب ، ويلزم البحث حينئذ عن جهات
منها : أن الأصل في تعارض الخبرين هو التخيير أو التساقط.
ومنها : حجية المتعارضين في المدلول الالتزامي أعني نفي الثالث وعدمها.
ومنها : عدد المرجحات واعتبار الترتيب بينها وعدمه.
ومنها : التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى كل ما يوجب أقربية أحد المتعارضين إلى الواقع وعدمه.
ومنها : حكم معارضة أكثر من خبرين ومسألة انقلاب النسبة. وغير ذلك مما سيأتي بحثه في هذا المقصد إن شاء الله تعالى.
إذا اتضح ما ذكرناه من شدة الحاجة إلى تنقيح مسائل تعارض الأدلة لدخلها في الاستنباط ، فلنعد إلى ما
أردنا بيانه من الجهات الثلاث ، فنقول :
أما الجهة الأولى : فمحصّل الكلام فيها : أنه قد جعل جمع من الأصحاب المسائل الباحثة عن أحكام تعارض الأدلة في خاتمة مباحث علم الأصول ، كما جعلها جمع من المقاصد ، فمن الطائفة الأولى صاحب المعالم والقوانين والفصول وشيخنا الأعظم ، ففي المعالم والرسائل : «خاتمة في التعادل والترجيح» وفي القوانين : «خاتمة في التعارض والتعادل والترجيح» وفي الفصول : «خاتمة في تعارض الأدلة». ومن الطائفة الثانية العلامة في محكي التهذيب والمحقق الرشتي في البدائع (١) والمصنف «قدسسرهم».
والظاهر أن ما صنعه المصنف أولى ، إذا البحث عنه بعنوان الخاتمة ربما يكون ظاهرا في خروجه عن مسائل علم الأصول كخروج الأمور المبحوث عنها في المقدمة ـ كمسألة الاشتراك والصحيح والأعم والمشتق ونحوها ـ عن مسائل العلم ، مع وضوح انطباق ضابط المسألة الأصولية عليه ، فان تعريف علم الأصول ـ سواء أكان هو «العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الكلية» أم كان هو «ما يبحث فيه عن عوارض الأدلة» أم غيرهما ـ ينطبق على أحكام تعارض الأدلة ، فلا وجه لجعلها خاتمة العلم. إلّا إذا أريد اختتام مسائل علم الأصول بها ، لا خروجها عن حاقّ مباحثه.
__________________
(١) بدائع الأفكار ، ص ٤٠٦