وأمّا (١) بناء على حجيتها من باب السببية ،
______________________________________________________
مقتضى الأصل في تعارض الدليلين بناء على السببية
(١) هذا شروع في المقام الثاني أعني بيان حكم تعارض الأمارتين بناء على حجية الأمارات من باب السببية والموضوعية أي كون قيام الأمارة على وجوب شيء أو حرمته سببا لحدوث مصلحة أو مفسدة في المؤدى غالبة على ما هو عليه واقعا مقتضية لجعل ما يناسبها من الوجوب أو الحرمة للمؤدى ـ على ما ينسب إلى المعتزلة ـ نظير سببية النذر
__________________
البيِّنة في إخبارها بوقوع الدم علمنا بكذبها في الإخبار عن نجاسة الإناء. وأما النجاسة بسبب آخر فهي وإن كانت محتملة ، إلّا أنها خارجة عن مفاد البينة.
مع أنه قد تقرر عدم التسبب بين وجود الضد وعدم الضد الآخر حتى يقال ببقاء المسبب عند انتفاء سببه ، بل هما متلازمان.
هذا مضافا إلى النقض على هذه المقالة بموارد نبّه عليها بعض أعاظم العصر «مد ظله».
منها : ما لو قامت بينة على وقوع قطرة من البول على ثوب ، وعلمنا بكذب البيِّنة ، ولكن احتملنا نجاسة الثوب بشيءٍ آخر كوقوع الدم عليه مثلا ، فهل يمكن الحكم بنجاسة الثوب ، لأجل البيّنة المذكورة؟ باعتبار أن الإخبار عن وقوع البول إخبار عن نجاسته ، لكونها لازمة لوقوع البول عليه ، وبعد سقوط البيّنة عن الحجية في الملزوم ـ للعلم بالخلاف ـ لا مانع من الرجوع إليها. ولا يظن أن يلتزم به فقيه.
ومنها : ما لو كانت دار تحت يد زيد وادّعاها عمرو وبكر ، فقامت بيّنة على كونها لعمرو ، وبينة أخرى على كونها لبكر ، فبعد تساقطهما في مدلولهما المطابقي للمعارضة هل يمكن الأخذ بهما في مدلولهما الالتزامي والحكم بعدم كون الدار لزيد وأنها من المال المجهول المالك.
ومنها : غير ذلك ، فراجع (١).
ومما تقدّم ظهر عدم إمكان نفي الثالث بذات الخبرين ، لتوقف نفي الحكم الشرعي كإثباته على الحجة ، فمع الاعتراف بعدم حجية المتعارضين وفرضهما كالعدم يندرج نفي الثالث بما هما خبران في القول بغير العلم.
وقد تحصل من جميع ما ذكرناه : أن الأصل الأوّلي في تعارض الأمارات على الطريقية هو التساقط مطلقا من غير فرق بين المؤدى ونفي الثالث.
__________________
(١) مصباح الأصول ، ٣ ـ ٣٦٩