بينهما من تزاحم الواجبين (١) (*) فيما إذا كانا مؤديين إلى وجوب الضدين أو لزوم المتناقضين (٢) ، لا فيما (٣) إذا كان مؤدّى أحدهما حكما غير
______________________________________________________
الثالثة : أن تكون الأمارتان في موضوع واحد ـ كالصورة الثانية ـ وكان مؤدى إحداهما حكما إلزاميا ، ومؤدى الأخرى حكما غير إلزامي ، كدلالة إحداهما على حرمة ذبيحة الكتابي والأخرى على حليتها ، أو دلالة إحداهما على حرمة العصير الزبيبي المغلي والأخرى على إباحته. وحكم هذه الصورة لزوم الأخذ بالحكم الإلزاميّ ، وطرح غيره ، لعدم المعارضة بين المقتضي واللامقتضي ، فإنّ الإلزاميّ ناش من المقتضي ، بخلاف غير الإلزاميّ ، فإنه ليس فيه المقتضي ، إذ يكفي فيه عدم تحقق مقتضي الإلزام (**).
(١) لكون كل منهما لأجل سببيّته لحدوث مصلحة أو مفسدة في مؤدّاه واجدا للمقتضي الّذي هو مقوِّم باب التزاحم.
(٢) قد عرفت بعض أمثلتهما آنفا ، وضمير «بينهما» راجع إلى «المتعارضين».
(٣) معطوف على «فيما إذا» يعني : فلا تجري قاعدة التزاحم فيما إذا دلّ أحدهما على حكم إلزامي والآخر على حكم غير إلزامي. وضمير «أحدهما» راجع إلى «المتعارضين» فقوله : «لا فيما إذا» إشارة إلى الصورة الثالثة المذكورة بقولنا : «أن تكون الأمارتان في موضوع واحد وكان مؤدى إحداهما حكما إلزاميا ... إلخ» وغرضه عدم جريان قاعدة
__________________
(*) الأولى تبديله بـ «الحكمين» ليشمل لزوم المتناقضين ، ضرورة أنه ليس من موارد تزاحم الواجبين ، بل من تزاحم الحكمين وإن كان أحدهما عدميا ، لكونه حكما أيضا.
(**) وهنا صورة أخرى لم يتعرض لها الماتن ، وهي : قيام أمارتين على حكمين إلزاميين لفعلين لا تضادّ بينهما ذاتا كدلالة إحداهما على وجوب الظهر والأخرى على وجوب الجمعة ، مع العلم الإجمالي بعدم وجوبهما معا. وحكم هذه الصورة معاملة وجوب كلا الفرضين ، لوجود المصلحة في كل منهما من أجل قيام الأمارة عليه. والعلم الإجمالي بعدم وجوب أحدهما واقعا لا ينافي وجوبهما معا بعنوان ثانوي وهو قيام الأمارة عليه.
وهذا نظير العلم الإجمالي بحرمة أحد الكأسين لإصابة القذر به ، مع تعلق الحلف بترك شربهما معا ، فإن حلِّية أحدهما واقعا من جهة العلم الإجمالي بطهارته لا تنافي وجوب الاجتناب عنهما بسبب طروء عنوان الحلف على تركهما ، كما لا تنافي وجوب الاجتناب عنهما عقلا لتحصيل اليقين بالاجتناب عن النجس الواقعي المعلوم إجمالا.