وكذلك قوله :
إذا صدق الجدّ افترى العمّ للفتى |
|
مكارم لا تكرى وإن كذب الخال (١) |
لأنه يريد الجد الحظّ ، وبالعمّ الجماعة من الناس ، وبالخال المخيلة ، وقد ألغز بذلك عن العم والجد والخال من النسب ، فهذا وأمثاله ليس من الفصاحة بشيء ، وإنما هو مذهب مفرد وطريقة أخرى.
فإن قيل : فما عندكم في الحكاية التي تحكى عن أبي تمام أنه لما قصد عبد الله بن طاهر بقصيدته التي أولها :
أهنّ عوادي يوسف وصواحبه |
|
فعزما فقدما أدرك السّؤل طالبه (٢) |
وعرض هذه القصيدة على أبي العميثل صاحب عبد الله بن طاهر (٣) وشاعره ، فقال له أبو العميثل ـ عند إنشاده أول القصيدة ـ لم لا تقول يا أبا تمام من الشعر ما يفهم؟ فقال : وأنت يا أبا العميثل لم لا تفهم من الشعر ما يقال؟ فانقطع أبو العميثل ، قيل : إن الذي قاله أبو تمام وأبو العميثل صحيح ، لأن أبا العميثل طلب من أبي تمام ـ إذ كان حاذقا في صناعة الشعر ، وقد قصد مثل عبد الله بن طاهر بالمديح ـ أن يكون شعره مفهوما واضحا يسبق معناه لفظه ، فكان هذا من أبي العميثل كلاما صحيحا في موضعه ، وطلب أبو تمام من أبي العميثل ـ إذ كان يدّعي علم الشعر ويتحقق بالأدب ، ويخدم عبد الله بن طاهر في اعتراض قصائد الشعراء وترتيبهم على مقدار ما يستحقه كل منهم بحظه من الصناعة ـ
__________________
(١) لا تكرى : لا تنقص.
(٢) «ديوان أبي تمام» ١ / ٢١٦.
(٣) هو عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي. أمير خراسان ومن أشهر الولاة في العصر العباسي ، ولي إمرة الشام ، ثم ولاه المأمون خراسان ، كان من أكثر الناس بذلا للمال وقال عنه ابن خلكان : كان عبد الله سيدا نبيلا عالي الهمة شهما ، وكان المأمون كثير الإعتماد عليه ، توفي في نيسابور سنة ٢٣٠ هجرية.