[١٨ ـ الفصل بين الصلة والموصول] :
واعلم أنه لا يجوز الفصل بين الصلة والموصول بأجنبي ، أعني بما ليس من الصلة إلا أن يكون الفاصل جملة اعتراض ، وهي ما كان فيه ـ من الجمل ـ تأكيد أو تبيين للصلة. فمثال التأكيد قول الشاعر [من الكامل] :
ذاك الذي ، وأبيك ، تعرف مالكا |
|
والحق يدفع ترّهات الباطل (١) |
ففصل القسم الذي هو «وأبيك» ، بين «الذي» وصلته ، لأن فيه تأكيدا للصلة حتى كأنه قال : ذاك ـ الذي تعرف ـ مالكا حقا.
ومثال التبيين قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) (٢). فقوله : (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) ، من كمال الصلة ، لأنه معطوف على «كسبوا» ، وفصل بينه وبين الموصول بقوله : (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) ، وهو جملة من مبتدأ وخبر ، والباء زائدة في الخبر لأن فيه تأكيدا لقوله تعالى : (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ،) ألا ترى أن جزاء السيّئة بمثلها من رهوق الذلّة لهم؟ وأما قوله [من المتقارب] :
٩٠ ـ كذلك تلك وكالنّاظرات |
|
صواحبها ما يرى المسحل |
______________________
(١) تقدم بالرقم ٨٣.
(٢) يونس : ٢٧.
٩٠ ـ التخريج : البيت للكميت بن زيد في ديوانه ٢ / ٣٥ ؛ والخصائص ٢ / ٤٠٤ ، ٣ / ٢٥٧.
اللغة : المسحل : حمار الوحش ، وهو صفة غالبة عليه ؛ وسحيله : أشدّ نهيقه.
المعنى : ناقتي كذلك ، وهي تشبه أتن الوحش التي ترى صاحباتها تنظرن إلى ما يراه حمار الوحش.
الإعراب : كذلك : «الكاف» : حرف تشبيه وجرّ ، «ذا» : اسم إشارة في محلّ جرّ بحرف الجر ، والجار والمجرور متعلقان بخبر مقدّم محذوف ، و «اللام» : للبعد ، و «الكاف» : للخطاب. تلك : اسم إشارة في محلّ رفع مبتدأ ، و «اللام» : للبعد ، و «الكاف» : للخطاب. وكالناظرات : «الواو» : للعطف ، «كالناظرات» : جار ومجرور متعلّقان بخبر محذوف. صواحبها : فاعل اسم الفاعل مرفوع بالضمّة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. ما : اسم موصول في محلّ نصب مفعول به للفعل (يرى). يرى : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف. المسحل : فاعل مرفوع بالضمّة.
وجملة «تلك كذلك» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «يرى» : صلة الموصول لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله : «وكالناظرات صواحبها ما يرى المسحل» أي و «كالناظرات ما يرى المسحل صواحبها» وقد فصل بالموصول بين الصلة وتتمتها للضرورة الشعرية. وقد خرّج البيت على أنّ قوله : «ما يرى المسحل» منصوب بإضمار فعل يدلّ عليه «الناظرات» ، كأنه قال : ينظرن ما يرى المسحل.