ولو كان للترتيب لقدّم «الكلكل» وهو الصدر ، ثم «الجوز» وهو الوسط ، ثم «الأعجاز» وهي المؤخّرة. ومما يدل على ذلك أيضا قوله تعالى : (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي) (١) ولو كانت الواو مرتبة لقدم الركوع على السجود. فقد ثبت إذن ما ادعيناه أنّها لغير الترتيب.
[٤ ـ حتى] :
وحتى بمنزلة الواو في أنّها للجمع من غير ترتيب ولا مهلة ، فإذا قلت : «قام القوم حتّى زيد» ، احتمل أن يكون القائم أولا زيدا ، وأن يكون القائم أولا القوم ، بمهلة أو غير مهلة ، وأن يكونوا قاموا في وقت واحد ؛ إلّا أنّها تفارق الواو في أنّ ما بعدها لا يكون أبدا إلا جزءا مما قبلها ، فلو قلت : «قام زيد حتّى عمر» ، لم يجز ، لأنّ «عمرا» ليس بعض زيد. وأن يكون ما بعدها إمّا حقيرا أو عظيما ، فلا تقول : «قام القوم حتى زيد» إلّا وزيد عظيم أو حقير. فمثال العظيم : «خرج الناس حتّى الأمير» ، ومثال الحقير «استنت الفصال حتى القرعى» (٢). والقرعى هي التي أصابها القرع وهو جدريّ الفصال. وقولهم : كلّ شيء يحبّ ولده حتى الحبارى لأنّ الحبارى توصف بالحمق.
______________________
ـ ضمير مستتر تقديره (هو). بجوزه : جار ومجرور متعلّقان بـ (تمطّى) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. وأردف : «الواو» : للعطف ، «أردف» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). أعجازا : مفعول به منصوب بالفتحة. وناء : «الواو» : للعطف ، «ناء» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). بكلكل : جار ومجرور متعلّقان بـ (ناء).
وجملة «فقلت له» : بحسب الفاء. وجملة «تمطى» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «أردف» : معطوفة على جملة «تمطّى» في محلّ جرّ مثلها ؛ وكذلك جملة «ناء». وجملة مقول القول آتية في البيت التالي من معلّقته.
والشاهد فيه قوله : «بجوزه وأردف أعجازا وناء بكلكل» حيث جاءت (الواو) لتفيد معنى العطف دون ترتيب ، فلو كانت للترتيب لجاء بالكلكل ثم الجوز ثم الأعجاز.
(١) آل عمران : ٤٣.
(٢) هذا القول من أمثال العرب ، وقد ورد في جمهرة الأمثال ١ / ١٠٨ ، ٢ / ٦٣ ؛ جمهرة اللغة ص ٧٦٩ ، ٨٩١ ؛ وزهر الأكم ٣ / ١٨٠ ؛ وفصل المقال ص ٤٠٢ ؛ وكتاب الأمثال ص ٢٨٦ ؛ ولسان العرب ٨ / ٢٦٣ (قرع) ، ١٣ / ٢٢٨ (سنن) ؛ والمستقصى ١ / ١٥٨ ؛ ومجمع الأمثال ١ / ٣٣٣ ، ٢ / ٣٩. يضرب لمن تعدّى طوره وادّعى ما ليس له.