[٥ ـ الفاء] :
وأما الفاء ففيها خلاف. فمذهب البصريين أنّها للترتيب في كل موضع ، والفراء موافق لهم في أنّها للترتيب إلّا في الفعلين الذين أحدهما سبب الآخر ويؤولان لمعنى واحد ، فإنها لا تكون عنده إذ ذاك مرتبة. وذلك نحو قولك : «أعطيتني فأحسنت إليّ» ، و «أحسنت إليّ فأعطيتني» ، يجوز أن يتقدم عنده الإحسان على الإعطاء وإن كان الإحسان إنّما وقع بعد الإعطاء ، لأن الإعطاء سبب الإحسان ، وهو إحسان في المعنى.
وذهب الجرميّ أنّها للترتيب إلّا في الأماكن والمطر ، فإنه زعم أنّك تقول : «عفا موضع كذا فموضع كذا فكذا» ، وإن كانت هذه الأماكن إنما عفت في وقت واحد ؛ و «نزل المطر مكان كذا فمكان كذا» ، وإن كان المطر إنما نزل في هذه الأماكن في وقت واحد. وذهبت طائفة من الكوفيين إلى أن الفاء لا ترتّب بمنزلة الواو.
والصحيح من ذلك كلّه القول الأول على ما نبيّن.
واستدل الفراء على صحة مذهبه بقوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) (١). وبقوله جلّ ذكره : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) (٢). فقدم «الإهلاك» على مجيء البأس ، وقدم القراءة على الاستعاذة ، ومعلوم أنّهما مؤخران في المعنى لما كان مجيء البأس من سبب الإهلاك ، وهو الهلاك في المعنى والاستعاذة من سبب القراءة شرعا وهي قراءة في المعنى.
ولا حجة له في ذلك لأنه يحتمل أن يتخرج على أن يكون «قرأت» بمعنى : أردت أن تقرأ لأن العرب قد تقول : فعل فلان ، بمعنى : قارب أن يفعل ، أو أراد أن يفعل ، فمن ذلك قولهم : «قد قامت الصلاة» ، أي : قد قرب قيامها ، أو : أريد قيامها. ومنه قول الفرزدق [من الطويل] :
١٢٦ ـ إلى ملك كاد النجوم لفقده |
|
يقعن وزال الراسيات من الصخر |
______________________
(١) النحل : ٩٨.
(٢) الأعراف : ٤.
١٢٦ ـ التخريج : البيت للربيع بن ضبع الفزاري في شرح أبيات المغني ٨ / ٩٠ ، ٩١ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٩٣ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٤.
اللغة : الفقد : الموت. الراسيات : الجبال. ـ