بقوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) (١) ومعلوم أنّ جعل زوج آدم منه إنّما كان قبل خلقنا ؛ وبقوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) (٢). ومعلوم أنّ أمر الملائكة بالسجود لآدم إنّما كان قبل خلقنا وتصويرنا ، فدلّ ذلك على أنّ «ثمّ» بمنزلة الواو. ولا حجة في شيء من ذلك. أما قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) (٣) ، فالفعل الذي هو «جعل» معطوف على ما في «واحدة» من معنى الفعل ، كأنه قال : من نفس وحّدت ، أي : أفردت ، ثمّ جعل منها زوجها. ومعلوم أنّ «جعل زوجها منها» إنّما كان بعد إفرادها. وأما قوله تعالى : (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) (٤). فمعطوف على «خلقناكم» ، إلّا أنّ الكلام محمول على حذف مضاف لفهم المعنى ، كأنه قال : ولقد خلقناكم ثمّ صوّرنا أباكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم. ومعلوم أنّ أمر الملائكة بالسجود إنّما كان بعد خلقه وتصويره. ومما يدلّ على فساد مذهبهم أنّ «ثمّ» لو كانت بمنزلة الواو ، لجاز : «اختصم زيد ثمّ عمرو» ، كما يجوز : «اختصم زيد وعمرو» ، بالواو. فامتناع ذلك دليل على أنّها ليست بمنزلة الواو.
[٧ ـ إمّا] :
وأمّا «إمّا» فلها ثلاثة معان : الشك ، وذلك نحو قولك : «قام إمّا زيد وإمّا عمرو» ، إذا كنت لا تعلم القائم منهما.
والإبهام : نحو قولك : «قام إمّا زيد وإمّا عمرو» ، إذا كنت قد علمت القائم منهما إلا أنّك قصدت الإبهام على المخاطب.
والتخيير : نحو قولك : «خذ من مالي إمّا دينارا وإمّا درهما».
والأفصح فيها كسر همزتها. وقد حكي فتحها قليلا ، وأنشدوا في ذلك [من الطويل] :
١٢٨ ـ تنفّحها أمّا شمال عريّة |
|
وأمّا صبا جنح الظّلام هبوب |
______________________
(١) الزمر : ٦.
(٢) الأعراف : ١١.
(٣) الزمر : ٦.
(٤) الأعراف : ١١.
١٢٨ ـ التخريج : البيت لأبي القمقام الأسدي في خزانة الأدب ١١ / ٨٧ ؛ والدرر ٦ / ١٢٠ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ١٠١ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٣٥. ـ