[٨ ـ أو] :
أما «أو» فلها خمسة معان :
الشك ، نحو قولك : «قام زيد أو عمرو» ، إذا كنت لا تعلم القائم منهما ، إلا أنّ الفرق بين «أو» في الشكّ وبين «إمّا» أنّك بنيت كلامك على الشك في «إمّا ابتداء» وأنّك في «أو» بنيت كلامك على اليقين ، فقلت : «قام زيد» ، ثم أدركك الشك ، فقلت : أو عمرو.
والإبهام : نحو قولك : «قام زيد أو عمرو» ، وأنت تعلم القائم منهما إلّا أنّك أبهمت على المخاطب.
والتخيير ، نحو قولك : «خذ من مالي دينارا أو حبّة».
والإباحة نحو قولك : «جالس الحسن أو ابن سيرين».
والفرق بين الإباحة في أو والتخيير أنّك لا يجوز لك الجمع بين الشيئين في التخيير ، فلا يجوز للمخيّر الجمع بين أخذ الحبّة والدينار معا ، ويجوز له مجالسة الحسن وابن سيرين معا ، لأنّه إنّما أراد جالس هذا الصنف من الناس ، أي : جالس الفضلاء. وكذلك لو قال : «جالس الفقهاء أو النحويين» ، لجاز له أن يجالسهما معا ، لأنّه إنّما أراد أن يقول له : جالس هذا الصنف من الناس ، أي : جالس العلماء.
فإن قيل : هل بين «أو» للإباحة وبين الواو فرق ، أو يجوز الجمع بين الشيئين كما يجوز مع الواو؟ قلت : الفرق بينهما أنّه لو قال له : جالس الحسن وابن سيرين ، لم يجز له مجالسة أحدهما دون الآخر ، وإذا قال له : «جالس الحسن أو ابن سيرين» ، جاز له أن يجالسهما معا أو أحدهما أو أن يجالسهما وغيرهما ممن هو مثلهما في الفضل.
والتفصيل : نحو قوله تعالى : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) (١). ألا ترى أنّ «أو» هنا لا يتصور فيها التخيير ولا الإباحة ولا الشكّ ، لأنّه ليس من الأمم من يخيّر بين اليهوديّة والنصرانية ولا من أباحهما معا ولا من شكّ فيهما بل اليهود يقولون : «كونوا هودا» ، والنصارى يقولون : «كونوا نصارى».
وكذلك أيضا الإبهام غير متصوّر هنا وقصد كل طائفة من الملّتين الحضّ على اتّباع
______________________
(١) البقرة : ١٣٥.