والجواب عن الأول أن تقول : اللفظ الذي يكون جزء كلام لا يخلو من أن يدلّ على معنى أو لا يدلّ ، وباطل ألّا يدلّ على معنى أصلا فإنّ ذلك عبث. فإن دلّ ؛ فإما أن يدلّ على معنى في نفسه أو في غيره ، فإن دلّ على معنى في غيره فهو حرف ، وإن دلّ على معنى في نفسه فلا يخلو أن يتعرّض ببنيته لزمان أو لا يتعرّض ، فإن تعرّض فهو الفعل وإن لم يتعرّض فهو الاسم.
والجواب عن الثاني : إنّه أراد بالاسم معقوله ، وبالفعل معقوله ، وكذلك الحرف ، ومعقول كلّ واحد منها أمر مفرد فأوقع عليه لفظا مفردا ، ونظير ذلك قول العرب : «رجل خير من امرأة» ، تريد : هذه الحقيقة خير من هذه الحقيقة ، ولم ترد رجلا واحدا بعينه بل كأنّك قلت : هذا الجنس خير من هذا الجنس ، ولا ينبغي أن يحمل على أنّه من وضع المفرد موضع الجمع ، نحو قوله [من الرجز] :
٧ ـ [لا تنكروا القتل وقد سبينا] |
|
في حلقكم عظم وقد شجينا |
______________________
٧ ـ التخريج : الرجز لطفيل في جمهرة اللغة ص ١٠٤١ ؛ والمحتسب ٢ / ٨٧ ؛ وللمسيب بن زيد مناة في شرح أبيات سيبويه ١ / ٢١٢ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٤٢٣ (شجا) ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٧ / ٥٥٩ ، ٥٦٢ ؛ وشرح المفصل ٦ / ٣٢ ؛ والكتاب ١ / ٢٠٩ ؛ ولسان العرب ٥ / ٢٣٧ (نهر) ، ٨ / ١٦٤ (سمع) ، ١٢ / ٢٦ (أمم) ، ٤١١ (عظم) ، ١٥ / ٢٧٠ (مأى) ؛ والمقتضب ٢ / ١٧٢.
اللغة : سبينا : أسرنا. في حلقكم : أراد في حلوقكم. شجينا : اعترض العظم في حلوقنا.
المعنى : ها هم قد أسرونا فكيف تنكرون حصول القتال ، إنها غصّة ولا شك في حلوقكم وحلوقنا كالعظم المعترض يجرح مع كلّ حركة.
الإعراب : لا تنكروا : «لا» : ناهية جازمة ، «تنكروا» : فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. القتل : مفعول به منصوب بالفتحة. وقد : «الواو» : حالية ، «قد» : حرف تحقيق. سبينا : فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ رفع نائب فاعل. في حلقكم : جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف مقدّم ، بتقدير (موجود في حلوقكم عظم) ، و «كم» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. عظم : مبتدأ مؤخّر مرفوع بالضمة. وقد : «الواو» : حالية ، «قد» : حرف تحقيق. شجينا : فعل ماض مبني على السكون ، و «نا» : ضمير متصل في محل رفع فاعل.
وجملة «لا تنكروا» : ابتدائيّة لا محلّ لها. وجملة «سبينا» : في محلّ نصب حال. وجملة «عظم موجود في حلوقكم» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «قد شجينا» : في محل نصب حال.
والشاهد فيه قوله : «في حلقكم» حيث أراد (في حلوقكم) فوضع المفرد موضع الجمع.