يريد : في حلوقكم ، فإنّ ذلك لا يجوز إلّا في ضرورة.
الجواب عن الثالث : إنّه احترز بقوله : وحرف جاء لمعنى ، من الحرف الذي لم يجىء لمعنى وهو حرف التهجي ، نحو الزاي من «زيد».
ولا يسوغ قول من قال : إنّ «جاء لمعنى» حدّ الحرف ، وزعم أنّ الذي جاء لمعنى إنّما هو الحرف ؛ فأمّا الاسم والفعل فكلّ واحد منهما جاء لمعان ، ألا ترى أنّ الاسم يدلّ على مسماه ويكون مع ذلك فاعلا ومفعولا ومجرورا إلى غير ذلك من المعاني التي تعتور الاسم؟ وكذلك الفعل يدلّ على حدث وعلى زمان ويكون موجبا ومنفيا ومستفهما عنه ، إلى غير ذلك من المعاني التي تعتور الأفعال ، وأمّا الحرف فلا يعطي في حين واحد أكثر من معنى واحد في غيره ، فإن دلّ الحرف على معنيين فصاعدا نحو : «من» التي تكون للتبعيض ولابتداء الغاية ولاستغراق الجنس ، وما أشبهها من الحروف ، فإنّما ذلك في أوقات مختلفة ، ألا ترى أنّ الكلام الذي تكون فيه «من» مبعّضة ، لا تكون فيه لابتداء الغاية ، والاسم يدلّ في حين واحد على مسماه وعلى الفاعلية ، مثلا ، وعلى التصغير وغيره ، وكذلك الفعل يدلّ في حين واحد على الحدث والزمان والخبر والأمر والنهي ، إلى غير ذلك من المعاني. وإنّما قلنا إنّ ذلك فاسد ، لأنّ الاسم يشرك الحرف في ذلك ، ألا ترى أنّ الاسم إنّما يدل على معنى مفرد وهو المسمى ، فلذلك حدّه أبو بكر بن السراج فقال : الاسم ما دلّ على معنى مفرد غير مقترن بزمان محصّل. وأما الفاعلية والمفعولية وغير ذلك من المعاني ، فإنّما هي مفهومة من أمور تلحق الاسم كالإعراب لا من الاسم بعينه.
وأيضا فلو كان أبو القاسم ، رحمهالله ، قصد هذا لصرّح بذلك ، فقال : حرف جاء لمعنى مفرد.
وأيضا فإنّه قد حدّ الحرف بعد ذلك بأنّ معناه في غيره لا بأنّه يدلّ على معنى مفرد.
وكذلك أيضا لا يسوغ قول من قال : إنّه أراد : وحرف جاء لمعنى في غيره ، فحذف «في غيره» لأنّه معلوم. فينبغي أن لا يصف الحرف بمجيئه لمعنى لأنّه إذا علم أن معناه في غيره ، فقد علم أنّه جاء لمعنى ، وأيضا فإنّه قد حدّ الحرف بعد ذلك بأنّ معناه في غيره فيكون ذلك ، على هذا ، تكرارا لا فائدة فيه.