وإنما لم يكن في الأول بدّ من تكرير العامل لحذف اللبس ، لأنّك لو قلت : «ما مررت بزيد وعمرو» ، لاحتمل أن تريد أنّك لم تمر بهما ولا بواحد منهما ، وإنّك لم تمرّ بهما معا بل مررت بأحدهما. فلما كان النفي من غير إعادة العامل ملبسا ، لذلك لم يكن بدّ من إعادة النفي.
وحجّة المازني أن حرف النفي لا يغيّر ما بعده على ما كان عليه قبل دخوله ، نحو : «ما قام زيد» ، ألا ترى أنّه قبل دخول «ما» : «قام زيد».
والصحيح ما ذهب إليه سيبويه لأنّه قد وجد النفي مغيّرا لما دخل عليه عن حالة قبل ذلك. ألا ترى أنّك تقول في نفي «سيفعل» : «لن يفعل» ، وفي نفي «قد فعل» : «لمّا يفعل» ، وفي نفي «فعل» : «لم يفعل» ، ولا تقول : لن سيفعل ، ولا لمّا قد فعل ، ولا لم فعل ، فإذا كانوا يغيرون ما بعد حرف النفي عمّا كان عليه مع أنّه لم تدع إليه ضرورة ، فالأحرى أن يجوز ذلك إذا دعت إليه ضرورة ، وهو خوف اللبس.
[١٩ ـ الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه] :
ويجوز الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما ليس بأجنبي ، فتقول : «قام زيد وعمرو» ، فتفصل بين «زيد» و «عمرو» بالظرف ، لأنّه ليس بأجنبي من الكلام ، ومن ذلك قوله [من الرمل] :
فصلقنا في مراد صلقة |
|
وصداء ألحقتهم بالثلل (١) |
ففصل بين «مراد» و «صداء» بالمصدر وهو «صلقة» لأنّه ليس بأجنبي.
وأقبح ما يكون ذلك بالجمل ، نحو قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) (٢). ففصل بين «أرجلكم» وبين المعطوف عليه وهو : «وجوهكم» بالجملة ، وهي : «وامسحوا برؤوسكم» ، لأنه ملتبس بالكلام ، لأن المقصود بالجمع تعليم الوضوء ، ولأجل واو العطف أيضا الداخلة على «امسحوا» ، ألا ترى
______________________
(١) تقدم بالرقم ١١٩.
(٢) المائدة : ٦.