يكون الفعل قبل المصدر ، لأن المسمى قبل الاسم ، ومن حيث جعل الفعل مشتقا من المصدر يلزمه أن يكون المصدر قبل الفعل ، لأن المشتق منه قبل المشتق. وفي الانفصال عن ذلك طريقان :
أحدهما : أن يكون أراد بالفعل الأول المعنى الصادر عن الفاعل ، كأنه قال : والمصدر اسم المعنى الصادر عن الفاعل ، وأراد بالفعل الأخير اللفظ الذي هو أحد أقسام الكلام وهو الفعل في اصطلاح النحويين ، كأنه قال : والفعل الذي هو أحد أقسام الكلام مشتق من المصدر الذي هو اسم المعنى الصادر عن الفاعل ، فيكون الفعل الذي هو قبل المصدر خلاف الفعل الذي هو بعده.
والطريق الثاني : أن يريد بالفعل الأول ما أردت بالثاني ، وهو اللفظ الذي هو أحد أقسام الكلام ، ويكون معنى قوله : اسم الفعل ، الاسم الذي أخذ منه ، كما تقول : هذا تراب الآنية الذي صيغت منه ، فلا يكون الفعل على أنه مسمى للمصدر وهو أولى ، بدليل قوله في باب ما تتعدى إليه الأفعال المتعدية وغير المتعدية : «واعلم أن أقوى تعدّي الفعل إلى المصدر لأنه اسمه» ، يريد لأن المصدر الاسم الذي أخذ منه الفعل ، فينبغي أن يفسر كلامه بكلامه.
[٤ ـ الأصل في الاشتقاق] :
وهذه المسألة خلافية بين أهل البصرة وأهل الكوفة(١).
فمذهب أهل الكوفة أن المصدر مشتق من الفعل واستدلوا على ذلك بأن الفعل عامل في المصدر ، لأنه به انتصب ، والعامل قبل المعمول ، والبعدي مأخوذ من القبلي.
ولا حجة في ذلك لأن العامل إنما هو قبل عمله لا قبل معموله. وعمله إنما هو النصب ، وإذا كان الفعل قبل النصب الذي في المصدر لم يلزم أن يكون قبل المصدر ، وأيضا فإن العمل إنما حصل في المصدر بعد التركيب ، ونحن إنمّا ندّعي أن الفعل مأخوذ من المصدر قبل التركيب.
واستدلوا أيضا بأنّ المصدر مؤكّد للفعل والفعل مؤكد ، بدليل أنك قلت : «قمت قياما» ، لم يكن في «قيام» زيادة فائدة والمؤكّد قبل المؤكّد.
وذلك أيضا فاسد ، لأن التأكيد إنما طرأ بعد التركيب ، وهذه الأفعال إنما اشتقت منها
______________________
(١) انظر المسألة الثامنة والعشرين من مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والنحويين الكوفيين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٢٣٥ ـ ٢٤٥.