وهذا الذي استدلّ به لا حجة فيه. أمّا قوله تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) (١) ، فخبره محذوف لدلالة ما تقدم عليه ، وهو قوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (٢). فكأنّه في التقدير : أفمن زيّن له سوء عمله فله عذاب شديد أمّا من آمن وعمل صالحا فله مغفرة وأجر كبير ، فحذف لفهم المعنى ، ومثل ذلك في القرآن كثير ، وأما قوله تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (٣) ، فجملة اعتراض وما بعده هو الخبر ، لكن ينبغي أن يجوز مثل هذا الذي ذهب إليه أبو الحسن من الاستغناء عن الضمير باسم ظاهر هو المبتدأ في المعنى كما جاز ذلك في الصلة ، فقد حكي من كلامهم : «أبو سعيد الذي رويت عن الخدريّ» ، والمعنى عنه ، ومنه : «الحجّاج الذي رأيت ابن يوسف» ، أي : الذي رأيته ، ومنه قوله [من الطويل] :
فيا ربّ ليلى أنت في كلّ موطن |
|
وأنت الذي في رحمة الله أطمع (٤) |
أي في رحمته ، إلّا أنّ ذلك قليل جدا.
وذهب بعض النحويين إلى أنّ هذه الجملة الواقعة موقع خبر المبتدأ يشترط فيها أن تكون محتملة للصدق والكذب ، فإذا وجد في كلامهم نحو : «زيد اضربه» ، و «زيد لا تضربه» ، حمله على إضمار القول ، تقديره : زيد أقول لك : اضربه ، أو أقول لك : لا تضربه ، وإلى هذا ذهب أبو بكر بن السراج. والذي حمله على ذلك أنّ الجملة خبر للمبتدأ ، وحقيقة الخبر ما احتمل الصدق والكذب. وذلك فاسد ، لأنّا قد أجمعنا على أن خبر المبتدأ يكون مفردا وإن لم يحتمل الصدق والكذب ، فكذلك يسوغ في الجمل التي لا تحتمل الصدق والكذب أن تقع أخبارا للمبتدأ كما وقع المفرد ، ولا يحتاج إلى تكلّف إضمار القول ، فالخبر إذن لفظ يقال بالاشتراك.
فإن قيل : إنّ الخبر وإن لم يكن محتملا للصدق فإنّما ساغ جعله خبرا لكونه إذا قرن بالمبتدأ صار منهما كلام يحتمل الصدق والكذب ، والأمر والنهي ليسا كذلك ، ألا ترى أنّك
______________________
(١) فاطر : ٨.
(٢) فاطر : ٧.
(٣) الكهف : ٣٠.
(٤) تقدم بالرقم ٨٥.