[٨ ـ رافع المبتدأ والخبر] :
والمبتدأ والخبر مرفوعان ، واختلف النحويون في الرفع لهما ، ففي الرافع للمبتدأ أربعة أقوال. منهم من ذهب إلى أنّ الرافع له التهمّم والاعتناء ، وتهمّمك واعتناؤك به هو جعلك له أولا لفظا أو نيّة. وذلك باطل لأنّ التهمّم معنى ، والمعاني لا يثبت لها العمل في موضع.
ومنهم من ذهب إلى أنّ الرافع له شبهه بالفاعل في أنّه مخبر عنه كالفاعل ، ولا يستغني عن الخبر كما لا يستغني الفاعل عن خبره وهو الفعل. وهذا باطل ، لأنّ الشبه معنى ، والمعاني كما تقدّم لم يثبت لها العمل. وأيضا فإنّ المبتدأ والخبر أصل والفعل والفاعل فرع ، وذلك أنّ اللفظ وافق المعنى في المبتدأ والخبر ، لأنّ المبتدأ قبل الخبر وكذلك هو المعنى ، ألا ترى أنّ المخبر عنه قبل الخبر وليس كذلك الفعل والفاعل ، لأن الفعل الذي هو الخبر مقدّم على المخبر عنه وهو الفاعل ، فاللفظ ليس وفق المعنى. فإذا جعلنا المبتدأ مرفوعا لشبهه بالفاعل كان فيه حمل الأصل على الفرع ، وذلك قليل جدا.
ومنهم من ذهب إلى أنّه ارتفع بالخبر (١) ، وذلك فاسد أيضا ، لأنّ الخبر قد يرفع الفاعل ، نحو : «زيد قائم أبوه» ، على أن يجعل «الأب» فاعلا لـ «قائم» ، ولو جعلناه مع ذلك عاملا في المبتدأ لأدّى ذلك إلى إعمال عامل واحد في معمولين رفعا من غير أن يكون أحدهما تابعا للآخر ، وذلك لا نظير له في كلامهم ، فإذا أمكن حمله على ما له نظير كان أولى.
ومنهم من ذهب إلى أنّه ارتفع لتعرّيه من العوامل اللفظية ، وهو الصحيح عندي ، لأنّ التعرّي ثبت الرفع له بشرط أن يكون الاسم المعرّى قد ركب من وجه ما ، وذلك أن سيبويه حكى أنهم يقولون : واحد واثنان وثلاثة وأربعة ، إذا عدّوا ولم يقصدوا الإخبار بأسماء العدد
______________________
ـ «فريضة» : خبر «كان» منصوب بالفتحة. «الرجم» : مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة «كانت فريضة» : ابتدائية لا محلّ لها (ولعلّها خبر مبتدأ سابق). وجملة «تقول» : صلة الموصول لا محل لها.
والشاهد فيه قوله : «كان الزناء فريضة الرجم» حيث قلب فجعل الخبر مخبرا عنه في اللفظ والمخبر عنه خبرا ، والأصل : كما كان فريضة الزنا الرجم.
(١) وهو مذهب الكوفيّين. انظر المسألة الخامسة من مسائل الخلاف في «الإنصاف في مسائل الخلاف» ص ٤٤ ـ ٥١.