للابتداء عملا على انفراد والمبتدأ كذلك ، بل يكونان ، إذا اجتمعا ، العاملين في الخبر ويتنزلان عنده منزلة الشيء الواحد.
ومنهم من ذهب إلى أنّ الرافع له تعرّيه من العوامل اللفظية ، وهو الصحيح عندي لأنّه قد تقدّم استقرار عمل الرفع للتعرّي في كلامهم.
[٩ ـ تعدّد المبتدأ] :
يعرض في هذا الباب كثرة المبتدآت وذلك على وجهين : أحدهما : أن تذكر المبتدآت معرّاة من ضمير يتصل بها ، فإذا كان كذلك فإنك تخبر عن المبتدأ الأخير بخبره ، وتجعل الجملة من المبتدأ والخبر في موضع خبر المبتدأ الذي قبلها ، ثم تجعل هذه الجملة في موضع خبر المبتدأ الذي قبلها حتى تنتهي إلى المبتدأ الأول. وقد تقدّم أنه لا بدّ في الجملة من رابط فتأتي بعد خبر المبتدأ الآخر بالروابط على عدد المبتدآت المخبر عنها بالجمل ، فيكون ترتيب الروابط على حسب ترتيب المبتدآت في الذكر ، فتجعل أوّل الروابط لآخر المبتدآت والذي يليه من الروابط الذي يلي الأقرب من المبتدآت ، وكذلك سائر الروابط يكون الأمر فيها على حسب هذا الترتيب ، وذلك نحو قولك : «زيد عمرو بكر هند ضاربته في داره من أجله» (١) ، فـ «هند» مبتدأ وخبره «ضاربته» ، وفيه ضمير يعود على «هند» مستتر ، والجملة من المبتدأ والخبر التي هي هند ضاربته في موضع خبر «بكر» ، والضمير المنصوب في ضاربته يعود عليه ، و «بكر» وخبره في موضع خبر «عمرو» ، والعائد عليه الضمير الذي في «داره» ، و «عمرو» وخبره في موضع خبر «زيد» ، والعائد عليه الضمير في قولك : «من أجله» ، فكذلك جميع ما جاء من هذه المسائل إن طالت.
وتلخيص هذا النوع من المسائل لمن رام فهم معانيها أن تثبت المبتدأ الأخير وتخبر عنه بخبره ، ثم تجعل بدل كلّ مضمر الظاهر الذي كان المضمر عائدا عليه.
فإذا قيل : ما معنى قولك : «زيد عمرو بكر هند ضاربته في داره من أجله»؟ قيل : معنى ذلك : هند ضاربة بكر في دار عمرو من أجل زيد.
والثاني من تكرار المبتدآت أن تضيف كل مبتدأ إلى ضمير يعود على المبتدأ الذي قبله ، ثم تجري المبتدأ الآخر مجراه ، ويكون هو وخبره في موضع خبر ما قبله إلى أن تنتهي
______________________
(١) تلاحظ الصنعة في هذا المثال ، ومن المؤكّد أن العرب لم تنطق به ولا بأمثاله. وإنّما أتى به النحويون أو بعضهم لتدريب المتعلّمين.