ذات التنانير» (١) ، يعني ناقته ، فجعل «نظرت» خبر «أصبحت» ، وقال تعالى : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ. وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) (٢). فجعل «قدّ» في الموضعين خبر «كان».
ومن اعتذر عن هذا بأن قال : إنّ الذي سوّغ ذلك دخول أداة الشرط على «كان» لأنّها تخلّصه للاستقبال ، فكأنّه قال : إن يكن قميصه قدّ من قبل ، فاعتذاره باطل ، لأنّ «كان» هنا ماضية لفظا ومعنى ، ألا ترى أنّ ما كان من ذلك قد ثبت واستقرّ.
وسنبيّن كيف دخلت أداة الشرط على «كان» ولم تنقل معناها للاستقبال ، والخلاف الذي في ذلك في بابه إن شاء الله تعالى.
[٣ ـ تصرّفها] :
وأفعال هذا الباب كلّها تتصرف فيستعمل منها الماضي ، والمستقبل ، والأمر ، واسم الفاعل إلّا «ليس» ، و «ما دام» ، و «قعد» ، و «جاء».
أما «قعد» و «جاء» فإنّهما لا يستعملان من هذا الباب إلّا في الموضعين المذكورين وهما : «ما جاءت حاجتك» ، و «شحذ شفرته حتى قعدت كأنّها حربة». فجريا لذلك مجرى المثل ، والأمثال لا تغيّر عما وضعت له.
وأما قولهم : «قعد زيد يتهكّم بعرض فلان» ، فإن أبا الفتح جعل «قعد» فيه زائدة ، وكأنّه قال : «زيد يتهكّم بعرض فلان» ، إذ لا يراد هنا القعود الذي هو ضدّ القيام ، ولا يتصوّر أن يكون «قعد» هنا بمعنى «صار» لأنّها لا تستعمل كذلك إلا في «قعدت كأنّها حربة» ، وهو كالمثل فلا ينبغي أن يستعمل بذلك المعنى في غيره.
وزعم ابن ملكون أنّها بمعنى «صار» ، وذلك باطل لما ذكرناه من أنّ ما ثبت في المثل خاصة لا ينبغي أن يستعمل في غيره.
وأما «ليس» فإنّها لم تتصرّف لتمكّن شبه الحرف فيها حتى قال بعض النحويين إنّها حرف. ألا ترى أنّها لا مصدر لها في موضع من المواضع وأنّها مثل «ما» في النفي ، وفي
______________________
(١) ذات التنانير : اسم موضع.
(٢) يوسف : ٢٦ ـ ٢٧.