فالأصل «إلّا إياك» ، ثمّ وصل الضمير بـ «ألّا» اضطرارا وإن كانت غير عاملة فيه ، لأنّ الاستثناء منتصب عن تمام الكلام ، على ما سنبيّن في موضعه إن شاء الله تعالى ، وإذا اتصل الضمير بـ «ألّا» وهو حرف فالأحرى أن يتّصل بالفعل ، لأن الفعل أقوى في اتصال الضمير به من الحرف.
فإن قيل : وما الذي أحوج إلى تكلّف هذا؟ أعني أن يتصل الضمير بغير عامله ، وهلا جعل «لنا» في موضع خبر «كان» مقدّما ، وتكون الجملة في موضع الصفة لـ «جيران»؟ فالجواب : إنّه لو جعل خبر «كان» مقدّما ، لكانت النية به التأخير ، وعلى ما ذكرناه من زيادة «كان» يكون المجرور في موضعه.
فإن قيل : فلعلّ «لنا» في موضع الصفة لـ «جيران» ، و «كانوا» جملة من فعل وفاعل في موضع الصفة لـ «جيران» ، وتكون «لنا» على هذا في موضعها ، ولا تحتاج إلى ما ذكر من التكلف. فالجواب : إنّ «كان» إذا كانت تامة تكون بمعنى : حدث ، فإذا قلت : «كان عبد الله ، فالمعنى على هذا : خلق عبد الله ، وحدث عبد الله ، فيكون معنى : «كانوا على هذا» : خلقوا وحدثوا فيما مضى ، وذلك معلوم ، فتكون هذه الجملة فضلا لا معنى لها ، وإذا كان الإخلال يحتمل أن يكون في جانب اللفظ أو في جانب المعنى قدّر في جانب اللفظ لأنّ
______________________
ـ المعنى : يقول : لا يهمّنا ألّا يجاورنا أحد سواك ، لأنّ جوارك يغنينا عن جميع الناس.
الإعراب : «وما» : الواو بحسب ما قبلها ، و «ما» : حرف نفي. «علينا» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر مقدّم لمبتدأ محذوف تقديره «ما علينا ضرر» أو نحوه. ويجوز أن يتعلّق الجار والمجرور بمحذوف خبر مقدّم والمصدر المؤوّل في «ألا يجاورنا» مبتدأ مؤخر. «إذا» : اسم شرط مبنيّ في محلّ نصب مفعول فيه متعلّق بجوابه. «ما» : زائدة. «كنت» : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع اسم «كان». «جارتنا» : خبر «كان» منصوب وهو مضاف ، و «نا» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جر بالإضافة. «أن» : حرف نصب. «لا» : حرف نفي. «يجاورنا» : فعل مضارع منصوب بالفتحة ، و «نا» : ضمير متّصل في محل نصب مفعول به. «إلّاك» : إلّا : حرف استثناء ، والكاف ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب على الاستثناء. «ديار» : فاعل مرفوع بالضمّة. ويجوز أن يكون المصدر المنسبك من «أن» وما بعدها منصوبا بنزع الخافض تقديره : «ما علينا في عدم مجاورة غيرك إيّانا ضرر».
وجملة «ما علينا ...» الاسمية بحسب ما قبلها. وجملة : «ما كنت جارتنا» في محلّ جر بالإضافة. وجملة «يجاورنا إلّاك» صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله : «إلاك» حيث اتصل الضمير بـ «إلّا» وإن كانت غير عاملة فيه.