[١٥ ـ الرافع لأسماء هذه الأفعال] :
واختلف الناس في الرافع لأسماء هذه الأفعال ، فمنهم من ذهب إلى أنّ هذه الأفعال دخلت على المبتدأ والخبر فنصبت الخبر وبقي المبتدأ على رفعه وهو مذهب كوفي.
ومنهم من ذهب إلى أنّ «كان» وأخواتها دخلت على المبتدأ والخبر فرفعت ما كان مبتدأ ونصبت ما كان خبرا ، وهو مذهب أهل البصرة ، وهو صحيح. والذي يدلّ على ذلك اتصال ضمير الرفع بها ، فلو كان المرفوع غير معمول للفعل لم يتصل به ضمير لأنّ الضمير لا يتصل إلّا بعامله ، وأيضا فإنّ الرافع له قبل دخول هذه الأفعال إنّما كان التعرّي من العوامل اللفظية كما تقدم في باب الابتداء.
والتعرّي قد ذهب بدخول العامل ، وأيضا فإنّه يؤدّي إلى الفصل بين العامل ومعموله بأجنبيّ ، أعني بما ليس بمعمول للعامل ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «كان زيد قائما» ، وقدّرت «زيدا» غير معمول لـ «كان» فصلت به وهو أجنبي بين «كان» ومنصوبها.
[١٦ ـ وجوب عدم حذف أسمائها] :
وينبغي أن تعلم أن المرفوع بهذه الأفعال لا يجوز حذفه اختصارا ولا اقتصارا وإن كان مبتدأ في الأصل ، والمبتدأ يجوز حذفه لفهم المعنى. وسبب ذلك أنّه لمّا ارتفع بالفعل صار يشبه الفاعل ، والفاعل لا يحذف ، فكذلك ما أشبهه ، وكذلك لا يجوز حذف الخبر أيضا اختصارا ولا اقتصارا.
فإن قيل : وما الذي يمنع من ذلك وأنت لا يخلو أن تحكم له بحكم أصله أو بحكم لفظه الآن ، فإن حكمت له بحكم ما أشبهه في اللفظ فإنّه يشبه المفعول ، والمفعول يجوز حذفه ، وإن حكمت له بحكم أصله فهو خبر في الأصل ، وخبر المبتدأ يجوز حذفه اختصارا لفهم المعنى ، فكان ينبغي أن يجوز حذفه على كلّ حال.
فالجواب : إنّ الذي منع من حذفه أنّه صار عوضا من المصدر ، فلذلك لا يجوز «كان زيد قائما كونا» ، كراهية الجمع بين العوض والمعوض منه ، وإنّما عوّض منه لأنّه في المعنى المصدر ، ألا ترى أنّ القيام كون من أكوان زيد ، فلما كان الخبر المصدر في المعنى استغني به عنه ، كما استغني بـ «ترك» عن «وذر» و «ودع» لمّا كان في معناهما. ولو لا أنّه عوض لصرّح بالمصدر إذ لا فعل إلّا وله مصدر أخذ منه ، وقد تقدّم الدليل على ذلك ، فلمّا صار الخبر عوضا من المصدر صار كأنه من كمال الفعل وكأنه جزء من أجزائه ، فلم يحذف