باب الحروف التي تنصب الاسم وترفع الخبر
[١ ـ عملها] :
العمل أصل في الأفعال فرع في الأسماء والحروف ، بدليل أنّ الأفعال كلّها عاملة ، وأما الأسماء والحروف فلا يعمل منها إلا ما أشبه الأفعال ، فدلّ ذلك على أنّ العمل كحق للأصالة إنّما هو للفعل ، فما وجد على هذا من الأسماء والحروف عاملا فينبغي أن يسأل عن الموجب لعملها فـ «إنّ» وأخواتها من الحروف العاملة ، فينبغي أن يسأل عن الموجب لعملها. والذي أوجب لها العمل عند محقّقي النحويين هو شببها بالأفعال في الاختصاص. ذلك أن هذه الحروف تختص بالأسماء ولا تدخل على غيرها ، كما أن الأفعال تختص بالأسماء ولا تدخل على غيرها ، وكلّ حرف مختصّ بما يدخل عليه ولا يكون كالجزء ، فإنّه يعمل فيما يختصّ به من اسم أو فعل. ألا ترى أنّ عوامل الأسماء كلّها مختصة بها ولا تدخل على غيرها ، وكذلك عوامل الأفعال تدخل على الأفعال ولا تدخل على غيرها.
وإنّما تحرّزت بقولي : ولم تكن كالجزء مما دخل عليه كـ «قد» والسين وسوف والألف واللام ، وكذلك إنّ السين وسوف قد اختصت بالأفعال إلّا أنها صارت كالجزء من الفعل ، والدليل على ذلك أنّه لا يجوز الفصل بين هذه الحروف وبين الأفعال بشيء إلا «قد» ، فإنه قد يجوز الفصل بينها وبين الفعل بالقسم ، نحو قوله : «قد والله قام زيد». ومما يدلّ على ذلك أنّك تقول : «لقد قام زيد» ، «لسوف يقوم زيد» ، فتفصل بين لام التأكيد وبين الفعل بها ، ولام التأكيد لا يجوز الفصل بينها وبين الفعل بغير هذه الأشياء ، فلو لا أنّ هذه الأشياء تنزّلت من الفعل منزلة الجزء بدليل أنّك تقول : «مررت بالرجل» ، فتفصل بها بين حرف الجرّ والمجرور ، ولا يجوز الفصل بينهما بشيء ، فلو لا أنّها مع الاسم كالشيء الواحد لما جاز ذلك.