فأوقع «لا تنصبك» وهي نهي موقع خبر «إنّ» ، فينبغي أن يحمل ذلك على إضمار القول ، كأنه قال : أقول لكم : لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم نام ، وأقول لك : لا تنصبك للشيب ، وقد تقدم أن القول كثيرا ما يضمر.
وإنّما لم تقع الجمل غير المحتملة للصدق والكذب أخبارا لهذه الحروف لمناقضة معناها لمعاني هذه الحروف ، وذلك أن الجملة المحتملة للصدق والكذب مقتضاها الطلب ، فإذا قلت : اضرب فكأنّك تطلب من المخاطب الضرب ، وكذلك «ليت زيدا قائم» ، و «لعلّ زيدا قائم» ، تمنّيك له القيام ورجاؤك له طلب ، فالطلب في هذه الأشياء ثابت ، والتمني والترجّي إنّما يكون لما لم يثبت. وأما ما قد ثبت فلا فائدة في ترجّيه وتمنّيه ، لأن الحاصل لا يطلب ، فلذلك لم يجز أن تقع هذه الجمل خبرا لـ «ليت» ول «لعلّ».
ولم تقع أيضا خبرا لـ «إنّ» و «أنّ» و «لكنّ» ، لأن هذه الأحرف للتأكيد ولا يؤكد إلّا ما يحتمل أن يكون وأن لا يكون في حق المخاطب ، وأما ما قد ثبت واستقر في حق المخاطب فلا فائدة فيه ، والطلب في هذه الجمل ثابت عند المخاطب.
ولم تقع خبرا لـ «كأنّ» لأنّها للتشبيه ، فإذا قلت : «كأنّ زيدا اضربه» ، يكون مشبّها بزيد بطلب الضرب ولا يتصوّر ذلك.
[٤ ـ ما تنفرد به «إنّ»] :
وانفردت «إنّ» من بين سائر أخواتها بدخول اللام في خبرها إذا كان الخبر اسما ،
______________________
ـ (هي). وهي : «الواو» : حالية ، «هي» : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. صادقة : خبر مرفوع بالضمّة. إنّ : حرف مشبّه بالفعل. الرياضة : اسم (إنّ) منصوب بالفتحة. لا تنصبك : «لا» : ناهية جازمة ، «تنصب» : فعل مضارع مجزوم ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي) ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. للشيب : جار ومجرور متعلّقان بـ (تنصب).
وجملة «لو أصابت لقالت» : بحسب الفاء. وجملة «أصابت» وجملة «لقالت» : لا محلّ لهما (فعل وجواب شرط غير جازم). وجملة «هي صادقة» : في محلّ نصب حال. وجملة «إنّ الرياضة ...» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول). وجملة «لا تنصبك» : في محلّ رفع خبر (إنّ).
والشاهد في قوله : «لا تنصبك» حيث جاءت الجملة الإنشائية في محلّ رفع خبر (إن) ، ولهذا يؤولونها بإضمار فعل القول قبلها.