زيدا وعمرا قائم» ، فكأنّك قلت : «إنّ زيدا مع عمرو قائم» ، فليس ما يخبر عنه إلا اسم واحد ، ولو أردت العطف عندهم لم يجز إلا أن تثنّي الخبر ، فتقول : قائمان ، واستدلّوا على ذلك بقول الشاعر [من الوافر] :
٣١٥ ـ فإنّك والكتاب إلى عليّ |
|
كدابغة وقد حلم الأديم |
ألا ترى أن «كدابغة» لا يكون خبرا إلّا عن الكاف ، فلو أخبر عن المعطوف والمعطوف عليه ، لقال : كدابغة ودبغها ، فيشبّه الكاتب بالدابغة والكتاب بالدبغ ، لكنّه لمّا لم يرد بالواو إلا معنى «مع» ، لم يخبر إلّا عن الاسم الأول. وهذا لا حجة فيه لاحتمال أن يكون التقدير : كدابغة ودبغها ، فحذف حرف العطف والمعطوف ، فيكون كقولهم : «راكب الناقة طليحان» ، تقديره : راكب الناقة والناقة طليحان.
والصحيح أن الواو وإن كانت بمعنى «مع» ، فإنّها تعطي أن ما بعدها شريك لما قبلها في المعنى ، فلا فرق بينها وبين العاطفة في التشريك ، فينبغي أن يكون الخبر عن الاسمين. ويدلّ على أنّ واو «مع» في ذلك بمنزلة العاطفة ما حكي من قول العرب : «كان زيد وعمرا كالأخوين» ، ألا ترى أن الواو هنا بمنزلة «مع» بدليل نصب ما بعدها ، والخبر بعد ذلك عن
______________________
٣١٥ ـ التخريج : البيت للوليد بن عقبة بن أبي عقبة في ديوانه ص ٧٠ ؛ ولسان العرب ١٢ / ١٤٧ (حلم) ؛ وجمهرة اللغة ص ٥٦٥ ؛ وديوان الأدب ٢ / ٢٥٠ ؛ وتاج العروس (أدم) ؛ وبلا نسبة في تهذيب اللغة ٥ / ١٠٧ ؛ ومقاييس اللغة ٢ / ٩٣ ؛ ومجمل اللغة ٢ / ١٠٢ ؛ والمخصص ٤ / ١٠٨.
اللغة : الكتاب : الرسالة. عليّ : هو الخليفة الرابع علي بن أبي طالب. الدابغة : من تقوم بحرفة الدباغة وهي تلوين الجلد. حلم الأديم : فسد الجلد وتثقّب.
المعنى : لا فائدة من كتابة رسالة للإمام عليّ ، فإنّك ورسالتك تشبهان دابغا لجلد فاسد ، فهو لن يحصل على نتيجة مرضية.
الإعراب : فإنك : «الفاء» : حسب ما قبلها ، «إنك» : حرف مشبّه بالفعل ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ نصب اسم (إنّ). والكتاب : «الواو» : واو المعيّة ، «الكتاب» : مفعول معه منصوب بالفتحة ، أو معطوف على (الكاف) في «فإنك». إلى عليّ : جار ومجرور متعلقان بحال محذوفة لـ (الكتاب). كدابغة : «الكاف» : اسم بمعنى مثل مبني على الفتح في محل رفع خبر (إنّ) ، و (دابغة) مضاف إليه. وقد : «الواو» : واو الحال (حالية) ، «قد» : حرف تحقيق. حلم : فعل ماض مبني على الفتح. الأديم : فاعل مرفوع بالضمة.
وجملة «فإنك ... كدابغة» : بحسب ما قبلها. وجملة «قد حلم الأديم» : في محلّ نصب حال.
والشاهد فيه قوله : «كدابغة» حيث جاء بالخبر مفردا بينما يتحدّث عن مثنى (الكاف والكتاب) ، على اعتبار أنّ (الواو) هنا بمعنى (مع).