باب الفرق بين «إنّ» و «أنّ»
اعلم أنّ النحويين تارة ضبطوا ذلك بحصر أماكن كسرها وتبيّن بذلك أماكن فتحها ، وتارة ضبطوا ذلك بأن جعلوا لكل واحد من الموضعين قانونا يفصله من غيره. والذين ضبطوا ذلك بقانون منهم من قال : كلّ موضع يتعاقب عليه الاسم والفعل فـ «إنّ» فيه مكسورة ، وكلّ موضع ينفرد بأحدهما فـ «إنّ» فيه مفتوحة. فمثال وقوعها في موضع يتعاقب عليه الاسم والفعل : «إن زيدا قائم» ، ألا ترى أن «إنّ» وقعت هنا صدرا ، وصدر الكلام يقع فيه الاسم تارة والفعل أخرى ، فتقول : «زيد قائم» ، و «يقوم زيد».
ومثال وقوعها في موضع ينفرد بالاسم : «بلغني أنّ زيدا قائم» ، ألا ترى أنّ «أنّ» مع اسمها وخبرها في موضع الفاعل وتتقدر بالاسم ، فتقول : «بلغني قيام زيد». ومثال وقوعها في موضع ينفرد بالفعل : لو أنّ زيدا قائم قام عمرو. ألا ترى أن لو لا يقع بعدها إلا الفعل ظاهرا أو مضمرا ، فوقعت أن بعدها موقع الفعل ، ولذلك فتحت. وهذا القانون غير صحيح ، لأن إذا التي للمفاجأة لا يليها إلا الاسم ، وإن إذا وقعت بعدها تكون مكسورة ، فينبغي على هذا أن تقول : وكلّ موضع ينفرد بأحدهما فإن فيه مفتوحة إلّا بعد «إذا» التي للمفاجأة ، وحينئذ يسلم هذا القانون من الكسر.
ومنهم من قال : كلّ موضع هو للجملة فـ «إنّ» فيه مكسورة ، وكل موضع هو للمفرد فـ «إنّ» فيه مفتوحة. وهذا ينكسر بقولهم : لو أنّ زيدا قائم قام عمرو. ألا ترى أنّ «أنّ» واسمها وخبرها وقعت في موضع الجملة الفعلية التي كان ينبغي لها أن تلي «لو» على مذهب سيبويه ، فإنّه يجعل «أنّ» مباشرة لـ «لو» لفظا وتقديرا ، ويجعلها مع معمولها بتقدير اسم
جمل الزجاجي / ج ١ / م ٣٠