بفتح أن.
فإن قيل : فلأيّ شيء لم يجز أن يجري مجرى الظن غير بني سليم إلّا بالشروط الأربعة المتقدمة؟ فالجواب : إنّ الذي حمل على ذلك أنّ هذه الأشياء يقوى فيها معنى الظن لمناسبته لها ، ألا ترى أنّ المستقبل لكونه لم يقع لا يكون في الغالب إلّا مظنونا وليس كذلك الماضي. وكذلك الاستفهام يناسب الظن ، لأنّ المستفهم أبدا إنّما يستفهم عما لا يتحقّق.
وإذا فصل بين أداة الاستفهام والفعل بغير الظرف ولا المجرور صار الفعل كأنّه لم يتقدّمه استفهام ، فيضعف فيه معنى الظن لذلك ، وأما الظرف والمجرور فلا يعتد بهما في كلام العرب ، فكأنه لم يقع بين أداة الاستفهام والمستفهم عنه فصل.
واشترط في الفعل المضارع أن يكون للمخاطب لأنّ المخاطب قد يستفهم عن ظنّه ، ولا يكاد أن يستفهم الإنسان عن ظنّ غيره ، لأنّه لا يتوصّل إلى حقيقة ذلك ، فتقول للمخاطب : أتظن كذا. ولا يقال : أيظن زيد كذا؟ فلما كانت هذه الأشياء مقوّية للظن لذلك لم تستعمل العرب القول استعمال الظن إلا مع الشروط المتقدمة المذكورة إلا بنو سليم فإنّهم يستعملون القول كلّه استعمال الظنّ من غير مقوّ ، لأنّ الإنسان قد يكون قوله عن علم وقد يكون عن ظنّ ، فأجري لذلك مجرى الظن.
______________________
ـ شرح المفردات : الآيب : الآئب ، القاصد. عنه : أي عن البعير. الوليّة : البرذعة أو نحوها. الهجر : شدّة الحرّ.
المعنى : يقول : إنّه لشدّة سرعة بعيره يصل إلى البلدة بنصف ما تقتضيه المسافة من الوقت ، أي يصل عند الظهر وفي ظنّه أنّه سيصل عند الغروب.
الإعراب : «إذا» : ظرف يتضمّن معنى الشرط متعلّق بجوابه. «قلت» : فعل ماض ، والتاء ... فاعل. «أنّي» : حرف مشبّه بالفعل ، والياء ضمير في محلّ نصب اسم «أن». «آيب» : خبر «أنّ» مرفوع. «أهل» : مفعول به لاسم الفاعل «آيب» منصوب ، وهو مضاف. «بلدة» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «نزعت» : فعل ماض ، والتاء ... فاعل. «بها» : جار ومجرور متعلّقان بـ «نزعت». «عنه» : جار ومجرور متعلّقان بـ «نزعت». «الولية» : مفعول به منصوب. «بالهجر» : جار ومجرور متعلّقان بـ «نزعت».
وجملة «إذا قلت نزعت» الشرطية ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «قلت» في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «نزعت ...» لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير جازم.
الشاهد فيه قوله : «أنّي آيب» حيث فتح همزة «أنّ» لأن «قلت» بمعنى «ظننت» ، وهي لغة «سليم» ، فإنّهم يجرون القول مجرى الظنّ مطلقا ، وعلى هذه اللغة تفتح همزة «إنّ» بعد القول.