فإن قيل : فالقول إذا استعمل استعمال الظنّ فهل هو بمنزلة الظنّ في العمل خاصة أو في العمل والمعنى؟
فالجواب : إنّ في ذلك خلافا بين النحويين فمنهم من ذهب إلى أنّه إنما يجري مجرى الظن في العمل خاصة ولم يتغيّر المعنى عما كان عليه. وإلى هذا ذهب ابن خروف. ومنهم من ذهب إلى أنّه يجري مجرى الظن عملا ومعنى وإلى هذا ذهب ابن جني. والصحيح عندي أنّه يجري مجرى الظن في المعنى والعمل. ولو لا ذلك لم يشترط العرب فيه ـ غير بني سليم ـ الأشياء الأربعة المقوّية لمعنى الظن كما تقدّم ، وأيضا فإنه إذا استقريت الأماكن التي استعمل فيها القول استعمال الظن وجدت على معنى الظن نحو قوله [من الكامل] :
أمّا الرحيل فدون بعد غد |
|
فمتى تقول الدار تجمعنا (١) |
ألا ترى أنّه لا يريد متى تتكلم بهذا اللفظ ، وإنّما يريد : متى تجمعنا الدار فيما تظنّ وتقدّر؟ وكذلك قول الآخر [من الرجز] :
٣٢١ ـ متى تقول القلص الرواسما |
|
يدنين أمّ قاسم وقاسما |
______________________
(١) تقدم بالرقم ٣١٨.
٣٢١ ـ التخريج : الرجز لهدبة بن خشرم في ديوانه ص ١٣٠ ؛ وتخليص الشواهد ص ٤٥٦ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٣٣٦ ؛ والدرر ٢ / ٢٧٣ ؛ والشعر والشعراء ٢ / ٦٩٥ ؛ ولسان العرب ١١ / ٥٧٥ (قول) ، ١٢ / ٤٥٦ (فغم) ؛ والمقاصد النحويّة ٢ / ٤٢٧ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ١٦٤ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٢٢٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٥٧.
اللغة والمعنى : القلص : ج القلوص ، وهي الفتيّة من الإبل. الرواسم : التي تسير سيرا شديدا. أم قاسم : كنية أخت زيادة بن زيد العذريّ.
يقول : متى تظنّ القلص التي تسير سيرا شديدا ، تحمل أمّ قاسم وابنها؟
الإعراب : متى : اسم استفهام مبني على السكون ، في محل نصب ظرف زمان ، متعلّق بـ «تقول». تقول : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل : أنت. القلص : مفعول به أوّل. الرواسما : نعت «القلص» ، والألف : للإطلاق. يدنين : فعل مضارع مبنيّ على السكون لاتّصاله بنون النسوة. والنون : فاعل. أمّ : مفعول به منصوب ، وهو مضاف. قاسم : مضاف إليه مجرور. وقاسما : الواو : حرف عطف ، قاسما : معطوف على «أم» منصوب.
وجملة (تقول القلص ...) الفعليّة في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة (يدنين ...) الفعليّة في محلّ نصب مفعول به ثان لـ «تقول».
والشاهد فيه قوله : «تقول القلص يدنين» حيث ورد الفعل «تقول» بمعنى «تظنّ» ، فنصب مفعولين ، هما «القلص» وجملة «يدنين».