لم يرد : متى تنطق بهذا؟ وإنّما يريد : متى تدني القلص الرواسم أمّ قاسم وقاسما فيما تظنّ أو تقدّر؟ فثبت أن المعنى إذن على الظن.
ويكون القول مجردا من معنى الظن عند جميع العرب من غير شرط. فممّا أجري القول فيه مجرى الظن ففتحت فيه «أنّ» قوله :
إذا قلت أنّي آيب أهل بلدة |
|
البيت(١) |
ومما لم يجر فيه القول مجرى الظن فكسرت فيه «إنّ» قوله تعالى : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ) (٢).
وتقول : «أولّ ما أقول : إني أحمد الله» ، بفتح إنّ وكسرها. فإذا فتحت كانت «ما» مصدرية كأنك قلت : أوّل قولي حمد الله. والقول هو الحمد في المعنى ، كأنه قال : كلّ قول أقوله فأوّله حمد الله تعالى. فإذا أراد المتكلم هذا المعنى أعني أنّ كلّ قول يقوله فلا بدّ أن يتقدّمه حمد الله ، فإنّه يفتح ولا يتصوّر أن تكون «ما» في هذا الوجه بمنزلة «الذي» ، وتكون واقعة على اللفظ المقول كأنه قال : أوّل الألفاظ التي أقولها حمد الله ، لأنّ حمد الله ليس من قبيل الألفاظ فكيف يتصوّر أن يكون الخبر ليس المخبر عنه في المعنى ولا هو منزّل منزلته وهو مفرد؟
فإن كسرت فإنّه لا يخلو أن تجعلها مع اسمها في موضع خبر المبتدأ الذي هو أول ، أو تجعلها في موضع مفعول القول. فإن جعلتها في موضع الخبر كانت «ما» بمنزلة الذي وتكون واقعة على اللفظ المقول ، فكأنّه قال : أوّل الألفاظ التي أتكلّم بها إنّي أحمد الله ، فيكون المتكلم على هذا قد زعم أن كل كلام يتكلم به فإنّ أوله هذا اللفظ الذي هو إنّي أحمد الله. وكأنّ هذا المعنى بعيد لأنّه ليس من عادة الناس في مخاطبتهم أن يبدأوا بهذا اللفظ ، فيقولوا : إنّي أحمد الله ، ثم يأتوا بعد ذلك من الكلام بالذي يريدونه ، ولا يبطل هذا الوجه بأن يقال : يلزم فيه فتح «إنّ» لأنّها في موضع خبر المبتدأ ، لأنّ خبر المبتدأ في الأصل إنّما ينبغي أن يكون مفردا ، لأنّا إنّما نعني بأنّها تفتح إذا وقعت في موضع المفرد ، أن تكون في موضع تتقدّر فيه بالمصدر ، وهي هنا لا تتقدّر به ، فلذلك كسرت.
______________________
(١) تقدم بالرقم ٣٢٠.
(٢) آل عمران : ٤٢.