وإن جعلتها في موضع معمول القول قدّرت «ما» مصدريّة ، ولا تقدرها بمنزلة «الذي» لأنّها لو كانت كذلك لاحتاجت إلى ضمير يعود عليها من صلته ، وليس في الصلة ضمير لأنّ مفعول القول هو : «إنّي أحمد الله» ، وهو ظاهر ، فلذلك لم يمكن في هذا الوجه إلّا أن تكون حرفا تتقدّر مع ما بعدها بالمصدر ، ويكون التقدير : أوّل قولي إنّي أحمد الله ثابت ، وحذف الخبر والتزم فيه الحذف لأنّ القول قد قام مقامه. ولهذا ذهب أبو علي الفارسي.
وزعم ابن الطراوة أنّ ذلك لا يتصور ، لأنّه ألزمه على هذا المأخذ أن يكون أول قولي إنّي أحمد الله ثابت ، ويكون على هذا آخره ليس بثابت. وذلك باطل ، لأنّه قد قال : إنّي أحمد الله ، فكيف يجعل أول هذا الكلام ثابتا ومعلوم أنّه قد ثبت بجملته ، فلا فائدة في اختصاص الأولية بالثبوت دون غيرها. وأيضا فإنّه عند ما نطق بقوله : «إنّي أحمد الله» ، علم أنّ الأول ثابت فيكون قد أخبر بشيء معلوم ، وذلك لا يجوز لخلوّه من الفائدة.
فردّ ذلك عليه بعض المتأخرين بأن قال : ليس مذهب أبي علي أنّ هذا المبتدأ له خبر محذوف ، بل هو من قبيل المبتدآت التي سد الطول منها مسدّ الخبر وأغنى عنه في اللفظ والمعنى ، وذلك أنّ قوله : «إنّي أحمد الله» ، وإن كان هو معمول القول هو خبر المبتدأ في المعنى فلا يحتاج المبتدأ إلى خبر كما أنّ قول العرب : «أقائم زيد»؟ على أنّ «أقائم» مبتدأ و «زيد» سدّ مسدّ الخبر ، ويغني عنه لا يحتاج إلى تقدير خبر لاجتماع الخبر والمخبر عنه في قولك : «أقائم زيد»؟
قيل له فكيف قال أبو علي : «أول ما أقول» مبتدأ محذوف الخبر تقديره : أول قولي إنّي أحمد الله ثابت أو موجود؟
فانفصل عن ذلك بأن قال : لما كان «أول» مبتدأ والغالب في المبتدأ أن يكون له خبر ملفوظ به ، قدّر له خبرا محذوفا كأنه قال : ثابت أو مستقر.
وهذا الذي ذهب إليه لا يتصور لأنّه كذب محض ، أعني أن يكون «أول قولي» مبتدأ محذوف الخبر وليس له خبر محذوف ، وأن يقول : تقديره ثابت أو موجود ، وليس هناك خبر يتقدر بهذا ولا بغيره.
وقد اعتذر أيضا عن هذا الالتزام الذي ألزمه ابن الطراوة أبا علي بأن قال : الخبر محذوف لكنه ليس ثابتا ولا موجودا ، بل هو خبر لا يمكن تقديره ، فلّما لم يمكن تقديره أتى