فإن قال قائل : ما الدليل على أنّها إذا انتصب ما بعدها فعل وإذا انخفض حرف؟ فالجواب أن تقول : الدليل على ذلك أنّها لا تخلو أن تكون حرفا أو اسما أو فعلا. فباطل أن تكون اسما لانتصاب الاسم بعدها ، وليست من قبيل الأسماء العاملة.
وباطل أن تكون حرفا بمنزلة «إلّا» لأنّها لو كانت كذلك لجاز في الاسم بعدها الرفع والنصب في مثل : «ما قام القوم خلا زيدا وزيد» ، كما يجوز : «ما قام القوم إلا زيدا وإلّا زيد» ، وامتناع ذلك دليل على أنّها ليست بحرف استثناء ، فثبت أنّها فعل.
والذي يدلّ على أنّها ـ إذا انخفض ما بعدها ـ حرف أنّها لا يخلو أن تكون اسما أو فعلا أو حرفا.
فباطل أن تكون فعلا لأن الفعل لا يخفض الاسم إلّا بواسطة حرف الخفض ، وباطل أن تكون اسما ، إذ لو كان كذلك لوليت العامل كما يليه غير ، فكنت تقول : «قام خلا زيد» ، كما تقول : «قام غير زيد» ، فثبت أنّها حرف.
والغالب عليها أن تنصب ما بعدها وتكون فعلا.
وكذلك «حاشى» عند المبرد ومن أخذ بمذهبه ينتصب الاسم بعدها وينخفض. فمن نصبه فهي عنده فعل. وحكى من ذلك : اللهم اغفر لي ولمن يسمع حاشى الشيطان وأبا الأصبغ ، بنصب «الشيطان» ونصب «أبا الأصبغ» ، ومن خفضه فهي عنده حرف ، والاستدلال على ذلك كالاستدلال في «خلا» ، إلّا أن أبا العباس استدلّ أيضا على أن «حاشى» فعل باستعمال المضارع منها ، قال النابغة [من البسيط] :
٣٤٠ ـ [ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه] |
|
ولا أحاشي من الأقوام من أحد |
______________________
٣٤٠ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٢٠ ؛ وأسرار العربية ص ٢٠٨ ؛ والجنى الداني ص ٥٥٩ ، ٥٦٣ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٤٠٣ ، ٤٠٥ ؛ والدرر ٣ / ١٨١ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣٦٨ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٨٥ ، ٨ / ٤٨ ؛ ولسان العرب ١٤ / ١٨١ ، ١٨٢ (حشا) ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٤٢٧ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٢٤٠ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٤٩ ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٢١ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٣٣.
المعنى : لا أعتقد أن أحدا من الناس يشبه النعمان بن المنذر في أفعاله الحميدة ، ولا أستثني أحدا.
الإعراب : «ولا» : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «لا» : نافية لا عمل لها. «أرى» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). «فاعلا» : مفعول به منصوب بالفتحة. «في الناس» : جار ومجرور متعلّقان بصفة لـ «فاعلا» محذوفة. «يشبهه» : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير