[٥ ـ إضمار حروف الجرّ وإبقاء عملها] :
وحروف الجر لا يجوز إضمارها وإبقاء عملها إلا في ضرورة شعر ، نحو قوله [من الخفيف] :
رسم دار وقفت في طلله |
|
كدت أقضي الغداة من جلله (١) |
يريد : ربّ رسم دار. وقول الآخر [من البسيط] :
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب |
|
عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني (٢) |
يريد : لله ابن عمك ، فحذف اللام وأبقى عملها.
ومما جاء من ذلك نادرا في اللام قولهم : «خير عافاك الله» ، وقولهم : «لاه أنت» ، يريدون : لله أنت ، وبخير عافاك الله. ولا يقاس شيء من ذلك.
وإنّما لم يجز إضمار الخافض وإبقاء عمله كما يجوز ذلك في الناصب والرافع ، لأن الخافض أضعف ، لأنّه مختص بالأسماء ، فليس له تصرّف الروافع والنواصب التي في الأسماء والأفعال.
والخافض أبدا لا يكون إلّا من قبيل الحروف في اللفظ أو في النيّة ، لأن «غلام زيد» ، في نية غلام لزيد ، والحروف أضعف في العمل من الأفعال. وأيضا فإنّ الحروف لا تعمل الخفض إلّا بواسطة الفعل أو ما في معناه ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «مررت بزيد» ، فإنّما خفضت «زيدا» بـ «مررت» بواسطة الباء. فلما احتاجت في عملها إلى غيرها ، كان عملها ضعيفا فلم يتصرّف فيها لذلك.
[٦ ـ معاني «من»] :
وإذ قد فرغ من ذكر حروف الخفض وأقسامها ، فينبغي أن تبيّن معانيها ، فأما «من» فتكون زائدة ولابتداء الغاية والتبعيض. وزعم بعض النحويين أنّها تكون لانتهاء الغاية كـ «إلى».
______________________
(١) تقدم بالرقم ١٢٠.
(٢) تقدم بالرقم ٣٢٤.